مدرسة الشاشة

إن كثرة محطات التلفزة والإذاعة والجرائد والمجلات، تسبب التشويش ولا تقدم أحيانا الشيء الكثير من الاختلافات؛ لذلك ارتفعت في الأوساط الثقافية الأمريكية انتقادات لظاهرة التنوع والتعدد الإعلامي والتي يعدونها أوهاما، روجها المسيطرون على وسائل الإعلام الذين لا يهتمون إلا بالأرباح. واعتبروا أن الأمر لا يتعدى كونه خلطا بين الكم والمضمون. وهم يعتبرون أن التنوع شحيح مقارنة مع وفرة المحطات الإذاعية والتلفزيونية والصحف والمجلات والدوريات والأفلام السينمائية. فبينما تشتعل المنافسة على جذب المشاهدين بين الشبكات التلفزيونية الثلاث الرئيسة فإن التنوع يصبح هو الضحية ويتحول الموضوع إلى محاكاة أو استنساخ للبرامج التي لاقت نجاحا. فإذا ما نجحت «اي.بي.سي» من خلال مسلسلات الجريمة، فإن «سي.بي.أس» و»ان.بي.سي» ستنافسان وتعرضان في التوقيت نفسه برامج عن إطلاق الرصاص. ومن أوهام التنوع أن المشاهد له الحرية في اختيار واحدة من المحطات الثلاث ليتفرج في الساعة التاسعة على مسلسل أما «الغرب الأمريكي» أو «المخبر الخاص» أو «الحفاظ على الأمن». ومن ضمن استراتيجيات التقليد أن يكون هناك ثلاثة معلقين على أخبار الشبكات الثلاث، لكل منهم شخصية مختلفة، لكنهم يقدمون أساسا معلومات متطابقة.
وكما أن الماء يبقى ماءً بغض النظر عن شكل القناني التي تحتويه أو أشكالها، وكما أن الصابون يبقى استخدامه واحدا بغض النظر عن الألوان والرائحة، كذلك فإن الأخبار تبقى نفسها ولو اختلفت طريقة العرض، وحتى تضاف نكهات على الأخبار، خلقت برامج التحليل والتعليق التي قد تساعد على تغيير المذاق وتضيف النكهات.
وأصبحت البرامج الترفيهية هي المفضلة للشركات التجارية التي تعمل في المواد الغذائية والأدوية والسيارات والأدوات المنزلية والسيارات ومستحضرات التجميل. أهمية تلك البرامج تأتي من اتساع رقعة مشاهدتها بين جماهير الطبقة الوسطى وهي الشريحة المفضلة للشركات. فقد تحولت كثافة المشاهدة إلى معيار لتحديد شعبية العمل.
وبما أن وسائل الإعلام الأمريكية هي مشاريع تجارية، تستهدف جني الأرباح، فهي تتبع قواعد السوق والمنافسة التي تستوجب التحكم بالوعي والتفكير. ومن ضمن تلك الآليات ما يدعى «آلية طلقات المدفع»، أي التكرار الآلي للأخبار في الإذاعة والتلفزيون لمجموعة من المواضيع لا رابط بينها، حتى تفصل بينها المقاطع الدعائية. كما تتعمد المجلات والصحف تقطيع المقالات إلى أجزاء صغيرة في الصفحة الأولى، ومن دون أي جامع بينها، ومن ثم نقل الجزء الأكبر منها إلى الصفحات الداخلية؛ حتى يتمكن القارئ من مشاهدة أكبر قدر من المواد الإعلانية، حتى إن الإعلان دخل إلى برامج الأطفال والتي بات عليها أن تتكيف مع نمط إيقاع عرض الإعلان السريع، وإلا سوف ينصرف عنها المشاهدون الصغار.
وتتطرق الانتقادات إلى دور وسائل الإعلام في تشكيل رأي الأمريكيين حول أنفسهم والآخرين مما لا يصب كثيرا في مصلحة حرية تكوين الرأي في بلاد العم سام، حيث يتحول الناس تدريجيا إلى تلاميذ في مدرسة الشاشات الفضية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي