دول مجلس التعاون الخليجي والتحدي النووي الإيراني

من أعقد الملفات التي تواجه صانعي القرار في دول الخليج الملف النووي الإيراني لما يحتوي عليه من تناقضات. وبينما تشعر دول المجلس بالقلق إزاء استمرار إيران في تطوير برنامجها النووي إلا أنها تشعر بنفس الدرجة من القلق إزاء احتمال تعرض المنشآت الإيرانية النووية للهجوم، لأن مثل هذا العنف قد يتسبب في قلاقل عبر الحدود إما في شكل رد فعل إيراني ضدهم أو ضد المصالح الأمريكية في المنطقة أو في شكل حالة من الفوضى الإقليمية التي قد تقدم إيران على إحداثها.
إضافة إلى ذلك، فإن معظم دول الخليج تؤيد الحل الدبلوماسي للأزمة الإيرانية ولكن ذلك لا يمنع المخاوف بأن يأتي هذا الحل على حساب مصالح هذه الدول، على الأقل من خلال إذعان الولايات المتحدة واعترافها بالهيمنة الإيرانية على الخليج. من هنا جاء اختيار دول مجلس التعاون المتوازن بأن تجري تهدئة إيران وإبراز دعمها للجهود الدبلوماسية لحل الأزمة النووية، مع جهود من وراء الستار لإبعاد شظايا الأزمة بقدر الإمكان.
وتواصل دول الخليج جهودها لإيجاد تطورات ممكنة في المنطقة حول المسألة الإيرانية ولإظهار حساسيتها إزاء التهديدات التي ترد بين وقت وآخر من جانب إيران. ورغم أن كافة دول الخليج تسعى إلى الحد من الطموحات الإقليمية لطهران فإنها تفضل ألا تعلن عن ذلك تجنبا لإحداث رد فعل إيراني ضدهم. وتتضمن التصريحات العلنية حول برنامج إيران النووي ما يلي:
أولاً: تكرار الاعتراف بحق إيران للحصول على تقنية نووية للأغراض السلمية مع المطالبة بتحريم الأسلحة النووية (أسلحة الدمار الشامل).
ثانياً: دعم الحل الدبلوماسي للأزمة النووية الإيرانية والتعبير عن الرغبة في اتخاذ موقف نشط إلى جانب الدول الغربية.
ثالثاً: حث إيران على التعاون مع المجتمع الدولي وبصفة خاصة مع قواعد وشروط المنظمة الدولية للطاقة النووية.
رابعاً: الإعراب عن القلق إزاء أي عمل عسكري يجري اتخاذه ضد إيران بالتأكيد على النتائج والمترتبات التي قد يسببها هذا العمل لدول الخليج نفسها.
والحقيقة أن إيران قد وضعت نفسها دائما في موقف عدواني ضد دول الخليج وقد ظهر ذلك أثناء حكم الشاه وما أبداه مرارا من نزعة استعلائية وميول احتوائية فضلاً عن محاولات الزعيم آية الله روح الله الخميني تصدير الثورة الإسلامية إلى الشواطئ الغربية في دول الخليج. ولا نعتقد أن التجربتين قد غادرتا عقول واضعي سياسات دول الخليج. ورغم خطورة التهديد الإيراني فقد اتخذت دول الخليج مواقف متعقلة لعدة أسباب أهمها الشارع العربي الذي يميل إلى أن يكون معاديا للأمريكيين ولا يرى في المشروع النووي الإيراني أي تهديد كما يراه أولو الأمر. والسبب الآخر هو قوة إيران النسبية واختلاف هذه الدول في تقدير حجم الخطر الإيراني فضلا عن شعور هذه الدول بأن الوقت قد ضاع وأن إيران في آخر الطريق ولا قيمة لمعارضة ستضيع أدراج الرياح. وهذا التأخر هو الذي وضع الملف برمته في يد واشنطن، ولم يبق لدول الخليج إلا حيز ضيق لتغيير الأمور. فهي تشكو من احتمالات التسرب النووي وسمعنا كثيراً عبارة أن مفاعل بوشهر أقرب إلى المنامة أو الكويت منه إلى طهران، وردت إيران على ذلك باستضافة وفود من دول الخليج لتطلعها على إجراءات السلامة وتؤكد عدم وجود خطر التسرب.
وتشعر دول الخليج بأن المحادثات السرية والعلنية التي تدور بين واشنطن وطهران لا تضع لهم حسابات مهمة، وسواء كان ذلك بسبب سلبية دول الخليج عملاً بسياسة إيثار السلامة أو كان تجاهلاً أمريكياً مقصوداً فإن دول الخليج يضايقها أن تتم مناقشة موضوع بهذه الأهمية والحساسية في غيبة منها.
على الجانب الآخر كيف تنظر إيران إلى الأمر؟ هي لا تعتبر دول الخليج خطراً وتهديدا لها، وهذه الدول ليست الحافز وراء البرنامج النووي الإيراني ومع ذلك فهي تعتبر دول الخليج مشكلة أمنية خطيرة، بسبب علاقاتها المتميزة مع الولايات المتحدة. فمن ناحية تود طهران أن تبرز نفسها في صورة الدولة الخليجية الشريكة بكل ما تعنيه الشراكة وبحسن نية بالغ إلا أن سلوكها وخاصة عندما تتحدث عن شرعية وجود بعض دول الخليج أو عندما تهدد صراحة بأنها ستغلق مضيق هرمز أو عندما تتحدث عن احتمال قيامها بمهاجمة المنشآت الأمريكية في دول الخليج أو عندما تقوم بعمل مناورات عسكرية تهدف إلى تخويف الدول الخليجية أو عندما تتدخل سرا مع الجماعات الشيعية التي تعيش في دول الخليج أو عندما تصر على السيطرة على الأراضي التي احتلتها وهي جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى - كل ذلك لا يسهم إطلاقاً في تهدئة مخاوف جيرانها على الشاطئ العربي للخليج.
والحقيقة الساطعة هي أن دول الخليج العربية لم تهدد إيران أبداً، فكلها دول تتبع سياسات دفاعية وكلها تحاول قدر جهدها الحفاظ على الوضع القائم في الخليج. وباستثناء السعودية فإن القوة العسكرية للدول الخليجية محدودة وصغيرة ولذلك فهي ليست مؤهلة لدخول معارك ضد إيران، ولكن إيران لا تتوقع أبداً قيام الدول الخليجية بمهاجمتها ولكنها قلقة إزاء عدة أمور، على رأسها استخدام أمريكا لأراضيها لضرب إيران ويأتي بعد ذلك العداء التاريخي لأن دول الخليج وقعت مع العراق ضد إيران في الحرب التي استمرت ثماني سنوات ثم ينبغي ألا نغفل الارتطامات الشيعية - السنية التي بدأت تتصاعد منذ أن صحت موجات من الإسلام السياسي. أي أن الهم الإيراني الأوحد هو وجود قوات عربية في الجانب الآخر من الخليج.
وتدرك إيران الأهمية الفائقة للخليج بالنسبة لها، فهو خط الحياة الأكبر باعتباره موطن تصدير النفط الإيراني واستيراد السلع الضرورية لاقتصادها. وخلال الثمانينيات والتسعينيات لجأت إيران لأنشطة إرهابية لإقرار ما سمته سياسة متوازنة في الاستفادة من الخليج. وقد نجحت إيران رغم نشاطها السري في الاحتفاظ بعلاقات علنية لا بأس بها مع معظم دول الخليج.
ويرى المحللون أن سياسة إيران تجاه الخليج يحكمها الخوف والقلق، فلديها أهداف عسكرية كثيرة قريبة من شاطئ الخليج، ولديها معامل تكرير النفط ولديها خطوط الملاحة وهي تريد أن ترفع ثمن أي تدخل أمريكي وأن تحسن قدرتها على الرد إذا ما تعرضت للهجوم، والأهم من ذلك كله تخويف جيرانها الأصغر حتى يضطروا إلى اتخاذ مواقف غير عدائية لإيران.
وحتى تستكمل إيران قدرتها النووية فإن كل ما يشغلها هو إعداد خطط دفاعية ردعية ضد الأهداف الصغيرة التي ترصع الشاطئ الآخر من الخليج. وترى معظم دول الخليج أنه في حالة حصول إيران على القوى النووية سوف تتشدد في كافة القضايا النقاشية والخلافية بينهما. كما أن إيران تحلم بردع الولايات المتحدة تماماً وإرغامها على الإذعان لأولويات المصالح الإيرانية.
وهناك قلق من أن حصول إيران على الأسلحة النووية سيكسبها شعبية في الشارع العربي، والشارع لا يدرك أن القوة النووية الإيرانية هي ورقة ابتزاز هائلة، حيث يمكن لإيران التوسع الإقليمي أو إحداث تغييرات من المنطقة، ولذلك هناك خوف من أن بعض الدول الخليجية من باب الخوف سوف تفضل أن ترقد تحت جناح إيران النووية، وإذا حدث ذلك فإن توجه الدول الخليجية سيتغير مما يحدث انقساماً في العالم العربي.
إضافة إلى ذلك، فإن نظام آيات الله إذا تم دعمه بالسلاح النووي سيتحول إلى الدعم السافر لتجمعات الشيعة في السعودية والكويت والبحرين بما يعتبر شوكة في خصر الحكومات الخليجية وتجشيعاً للتمرد ودعما لمحاولة إيران السيطرة على منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) لتخويف المنتج العربي للنفط ومن ثم إملاء سياسات الإنتاج والأسعار. والطريف أن إيران عرضت على عدد من الدول الخليجية تزويدها بالقدرة على إخصاب اليورانيوم ولكن ذلك كان من باب الاستعلاء وإقرار السيطرة والسيادة عليهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي