غرفة ضيوف
من ضمن العادات الأصيلة للأسر الشرقية، تخصيص غرفة لاستقبال الضيوف يمنع استخدامها في النشاطات اليومية، وتكون مرتبة ونظيفة باستمرار، وتفتح أبوابها في حال ضيوف الغفلة أو الضيوف الرسميين، ويتم تجهيزها بأغلى المفروشات. وكانت الأعراف في بناء البيوت تراعي البساطة والتواضع في الشكل الخارجي للبيت حتى لا تثار مشاعر الاستفزاز من بقية سكان الحارة. كما تستوجب مراعاة الظروف المحيطة أن تكون التزيينات المعمارية والمقتنيات الغالية، من نصيب داخل المنزل وليس خارجه. واتباع ذلك التقليد كان يأخذ بعين الاعتبار مسألتي الاستثمار، وفي الوقت نفسه، التباهي ببعض الممتلكات، ابتداء من تعليق الثريات الكريستالية، إلى الأطقم الصينية، وهذا ما كانت تحفل به غرف الضيوف. لذلك كان يمنع دخول الأطفال لتجنب التخريب والاحتفاظ بهيبة الأشياء. وإذا كانت غرف الضيوف تبقى مغلقة في أوقات كثيرة عندما لا تكون هناك زيارات رسمية أو مفاجئة، فلأن الناس كانت تفرق بين ليلها ونهارها، وبين أوقات الاسترخاء أو الاستنفار عند وجود غرباء، على عكس ما يحصل في العصر الحالي.
وكانت من ضمن العادات أن يتم اختيار العروس الحريصة غير المبذرة. ولاختبار تلك الخاصية كانت تعطى للفتاة "كمشة" من الرمان لتأكلها، فإذا تسربت الحبات من بين أصابعها، فهذا دليل على أنها مسرفة ومبذرة وتلك صفة سلبية.
لكن العولمة وانفتاح البلدان غيرت الكثير من الطقوس الاجتماعية وبدلت من عادات الأفراد والمجتمعات، ولأن الانفتاح يشمل حرية تبادل السلع يتحول الأشخاص أنفسهم إلى سلع، وهمهم كيف يظهرون أنفسهم ليكونوا صفقات مقبولة. لذلك يجب أن يكونوا طموحين ومقبولين وحبذا لو أنهم ينتمون لاسم عائلي برنين اجتماعي ويوجد في رصيدهم شهادات من جامعات أجنبية. ومن المستحب أن يكونوا منتسبين لبعض الأندية الرياضية أو الاجتماعية أو الخيرية. ولكي تكون تلك الشخصيات مطلوبة في المجتمع فعليها أن تعرف كيف تبيع نفسها. إجمالا تجتمع في تلك الشخصية صفتا التسويق والاستهلاك. فهي تلاحق آخر صيحات الموضة وتعتمد على المظاهر البراقة، لكي تقنع من تستهدفهم بعملياتها. وهي لا هدف لها، والمهم أن تتحرك بأقصى حد من الكفاءة، ولديها الأنا كبيرة جدا. فهي لا تحب ولا تكره ولا تنفعل حتى لا تتأثر مهامها من بيع وشراء، أي أنها تؤدي مهماتها دون إثارة تساؤلات. وهي لا تربطها علاقات بمن حولها، فلا قلق لديها ولا اهتمامات فعلاقاتها مع من هم حولها واهية لذلك لا تكترث بهم بسبب أن لا أحد يعنيها. وهذا ينسحب على من يشتري كثيرا دون أن تكون هناك روابط بما يشتريه، فكما يستغني عن الأشياء كذلك يستغني عن الأصدقاء والناس. هذه التصرفات تجر تسطيحا للمشاعر وتبلدا للحواس الخمس، ولا يعود ممكنا التمييز بين الصدق والخداع أو في ما يراه الناس أو يسمعوه أو يتذوقوه.
فالناس في عصر العولمة، ينطلقون في الاتجاهات كافة، وفي كل الأوقات ولذلك يجب أن يكونوا دائما في قمة ترتيبهم وجاهزيتهم، بمعنى أن يلبسوا دائما أقنعة الشخصية الدبلوماسية اللبقة والمهندمة. كأية غرفة ضيوف متنقلة، فهم لا يعترفون بأوقات استراحة ويمشون على نمط التوافر في كل الأوقات وبكامل الجاهزية. وإن كانت غرف الضيوف التقليدية تراعي أن تبقى موصدة، فإن الناس العولميون هم أناس منفتحون على كل الاحتمالات والاستثمارات ويستقبلون كل الضيوف ولا يفرقون بين الأعداء والأصدقاء طالما أن هناك عمولات.