ما علاقة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالجهات الأخرى؟! (4 من 6)
الحمد لله السميع العليم، والصلاة والسلام على الذي أرشدنا إلى الطريق القويم، وبعد، عند صدور الأمر الملكي بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد طُرحت أسئلة عن دور هذه الهيئة إلى جانب الجهات الرقابية الأخرى، ومثل هذه الأسئلة متوقع طرحها، ولهذا حرص واضع تنظيم الهيئة كل الحرص على أن يبين علاقة الهيئة بالجهات الرقابية الأخرى، وغيرها من الجهات، في المادتين الرابعة والخامسة من أجل توضيح العلاقة بشكل جلي وواضح، وللإجابة عن كل سؤال قد يطرح من أي فرد. ولذا رأيت من المناسب شرح وبيان ما ورد في المادتين بشكل أكثر تفصيلاً مما في النصين اللذين صيغا صياغة قانونية مقتضبة، ودون إسهاب أو تفصيل مطول، لأن هذا هو المتبع في صياغة النصوص بأن يورد النص على الأحكام والقواعد المراد العمل بها بشكل عام، ويُترك التفصيل والإيضاح للمذكرة التفسيرية إن وجدت، أو الأعمال التحضيرية التي بني عليها صدور التنظيم، ولشرح المختصين لتبيان المقاصد الدقيقة لواضع التنظيم، وما له صلة بما ذكر في النصوص مع إيراد أمثلة، أو وقائع تساعد على فهم النصوص الفهم الصحيح. وهذه المقدمة رد على تعليق قارئ عزيز على مقالي الأول (1ـ 6) المنشور في هذه الصحيفة بتاريخ 24/7/1432 هـ الموافق 26/6/2011 عندما قال: ''تفسير الماء بعد الجهد بالماء''، فأخذ هذا بمنزلة نقد للمقال، وهذا غير صحيح، لأنه لا يقال إلا لمن شرح ما لا يحتاج إلى شرح باعتباره معروفا لكل الأفراد على اختلاف مستوياتهم العلمية، وللفائدة أكثر، فإن المثل هو عجز بيت قيل وهو:
أقام بجهد أياماً قريحته وفسر الماء بعد الجهد بالماء
وأقول للقارئ العزيز إن المثل يقال لمن قال كلاماً تافهاً لا معنى له، وكنت أتمنى منه أن يكتب نقداً موضوعياً بعيداً عن العبارة الاستفزازية غير المفيدة، هذا ما أردت أن أكمل به مقدمة هذا المقال، عسى أن يستفيد القارئ الكريم وغيره من ذلك مستقبلاً.
ولنعد إلى صلب موضوع المقال بشرح المادة الرابعة من تنظيم الهيئة، إذ نصت صراحة على أهمية تعاون وتآزر الجهات الرقابية المختصة، وبالأخص هيئة الرقابة والتحقيق التي لها رقابة عامة على الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وهيئة التحقيق والادعاء العام التي لها دور رقابي في مجال عملها، ووزارة المالية التي لها دور في الرقابة قبل الصرف، وديوان المراقبة العامة الذي له دور في الرقابة بعد الصرف، وغيرها من الأجهزة في جهات أخرى مثل (المباحث العامة، والمباحث الإدارية، ومصلحة الجمارك ... إلخ)، بحيث تقوم كل جهة أو جهاز بدوره حسب اختصاصه، والتعاون أساس مهم لتحقيق التكامل والاتساق في الأدوار المختلفة، وهذا يستلزم التنسيق التام عن طريق الاستفسارات أو اتخاذ أي إجراء من الإجراءات التي تمكن من تنفيذ اختصاصات كل جهة من الجهات الرقابية بما فيها الهيئة الوطنية من أجل مكافحة الفساد وحماية النزاهة، التي تُعد أساساً مهما في تفعيل مكافحة جرائم الفساد، بل لا يفوت التنويه بأهمية دور الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة والجهات الخاصة المتعاقدة معها بتنفيذ كل ما هو مطلوب منها كما سيبين فيما بعد.
وعن آليات ووسائل التعاون فقد بينت المادة الخامسة في فقراتها تفصيلا لذلك بنصوص آمرة، ففي الفقرة الأولى أكد على الجهات الرقابية المختصة بأن تزود الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بأي ملحوظة مالية أو إدارية تدخل ضمن اختصاصها حتى تتمكن الهيئة من القيام بواجباتها والوفاء بمسؤولياتها في مكافحة جرائم الفساد بالتعاون مع هذه الجهات.
وفي الفقرة الثانية نُص على إلزام كل من الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة والجهات الخاصة المتعاقدة معها بأن تزود الهيئة بكل ما تطلبه من وثائق وبيانات ومعلومات تتصل بأعمالها، إذ من خلال ما تطلبه تحاول الهيئة القيام بدورها الرقابي الذي يمكنها من مكافحة أي جريمة من جرائم الفساد، بل الحيلولة دون ارتكابها طالما كانت عيون رقابة الهيئة مسلطة على الأعمال والمشروعات التي تنفذ.
ولجدية شمول رقابة الهيئة الوطنية ألزمت كل الجهات المشمولة باختصاصاتها أن تقوم بتعاون حقيقي ومستمر من خلال ما نص عليه في الفقرة الثالثة، وهي كما يلي:
(أ) تزويد الهيئة - وفق آليات تحددها - بالمشروعات المعتمدة لديها وعقودها، وعقود التشغيل والصيانة، وذلك لتتمكن الهيئة من القيام بدورها الرقابي بمعرفة كل المشروعات المعتمدة في الميزانية، ومدى جدية الجهة في تنفيذ هذه المشروعات وفق البرامج المعتمدة في الخطة الخمسية، فإن سارت بالتنفيذ بدون معوقات أو تعثر، فتزود الهيئة بعقود تنفيذ المشروعات للمتابعة، وكذلك عقود التشغيل والصيانة، وهذا يمكن الهيئة من مراقبة تنفيذ العقود خلال مدة العقد، وبشكل سليم لا تشوبه أخطاء وسوء تنفيذ أو استغلال أو تأخير ضار طويل غير مبرر.
(ب) ومن أجل تحقق المتابعة الجادة، فإن على الجهات تمكين منسوبي الهيئة من تأدية مهامهم وواجباتهم، وتزويدهم بكل ما يطلبونه من وثائق وأوراق أو نسخ منها من أجل دراستها وتدقيقها والتأكد من سلامتها من أي مخالفات وتجاوزات غير النظامية.
(جـ) قد تظهر ملحوظات للهيئة من اطلاعها على الوثائق والأوراق فتستفسر بشأنها، لذا يجب على الجهة المعنية أن ترد على كل استفسار يرد إليها، وأن تفيد الهيئة أولاً بأول بما اتخذته الجهة حيال الملحوظات من إجراء نظامي أو تصحيحي، وغير ذلك دون تأخير، وحددت المدة القصوى للإفادة بثلاثين يوماً من تاريخ الإبلاغ بالملحوظات، وذلك حثاً حازماً على التجاوب مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لمعرفة حقيقة ما حصل من ملحوظات جرى الاستفسار عنها.
ما تقدم تبيان لعلاقة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالجهات الأخرى سواء الرقابية أو غيرها من الجهات غير الرقابية، والجهات الخاصة المتعاقدة معها، من أجل التعاون في تحقيق حماية النزاهة، وفي الوقت نفسه مكافحة جرائم الفساد. والمهم في الأمر أن على الجهات غير الرقابية المشمولة باختصاصات الهيئة والجهات الخاصة المتعاقدة معها أن يكون تعاونها بتنفيذ النصوص الآمرة في الفقرتين (2 و3) من المادة الخامسة بمنتهى الصدق والأمانة والجدية، لأن الهدف والغاية هو تحقيق المصلحة العامة، وتوافر الأمن والاستقرار والسكينة متى كوفح الفساد بكل أنواعه، الذي لو حصل كان سبباً للفتن والقلاقل والاضطرابات، جنبنا الله كل ذلك إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.