هل تفهمني؟
هل سبق أن تساءلت يوما ما: كيف تعرف مقدار فهمك للطرف الآخر؟ أو ما الميزة الأساسية التي يتميز بها اثنان عندما يكونان متفاهمين؟ هل دخلت يوما ما في حوارٍ مزدحمٍ بالأسئلة إما من جانبك أو من جانب الطرف الآخر؟ أسئلة قد تكون في غاية البداهة، ورغم ذلك نسألها؟
تتحدث إلى أحد أصدقائك عن أمرٍ ما، أو ربما عن تجربة معينة وعند مُضيك في سرد الأحداث تتعثر بغصص أسئلته التي لا تمت بعلاقة مباشرة للموضوع! مما يعمل على بعثرة أفكارك الأساسية ويفقدك الدافع للتفاعل الإيجابي مع جوهر الموضوع، ويستهلك قدرا كبيرا من طاقتك الذهنية.
إن الإيقاع الزمني السريع لحياتنا، والرغبة الملحة لتجنب استنزاف طاقتنا الإيجابية فيما لا فائدة منه، جعلا من الصعوبة أن ندخل في حوارات تفتقد الفهم المتبادل؛ نتيجة لما يتطلبه الحوار بين طرفين غير متفاهمين إلى الغوص في تفاصيل في غاية الهامشية وبعيدة عن صلب الفكرة، مما ينتج عنه الكثير من استنزاف الطاقة وتشتيت الانتباه ومجانبة التسلسل المنطقي للسرد الموضوعي.
ومما يزيد هذا الأمر صعوبة أن يخرجك الطرف المقابل من صلب الموضوع بكل سلاسة وعفوية، وربما من دون أن يشعر أيٌ منكما بذلك! وهو أمر تزداد أهميته في اجتماعات العمل، ومطابخ اتخاذ القرارات، وحين يكون هدر الزمن واستنزاف الطاقة الذهنية مؤثرا بشكلٍ كبير في جودة المخرجات، ولك أن تتخيل ما قد يعود به اختصار زمن التداول في قرار ما نتيجة التفاهم المتناغم بين الأطراف المختلفة من استغلالٍ مثالي للوقت والجهد، يعمل بشكلٍ إيجابيٍ على تهيئة بيئة صحية تضع الفكرة فوق أخرى مما ينتج عنه في نهاية المطاف وحدة متكاملة تلملم موضوعا واحدا من مختلف الزوايا.
وفي برامج الحوار عبر وسائل الإعلام تبرز أهمية هذه المهارة في نقل الأفكار وتعرية الحقيقة بالاعتماد على مهارة المذيع الموهوب، حين يستطيع نقل ضيفه من فكرة إلى أخرى بكل سلاسة، مشكلا في نهاية الحوار وحدة فكرية ومعرفية متكاملة، وليس كما يحدث اليوم بكثرة حين ينتهي حوارٌ ما بأسئلة مفتوحة لا هي قادرة على تغير قناعات المتلقي ولا محفزة لفكره للبحث عن مزيدٍ من المعرفة!
على أي حال، حين تكون طرفا في حوارٍ ما، كن حريصا على طاقتك الذهنية من الاستنزاف وراقب جليسك، وافحص نوعية الأسئلة التي يسألها، وتحقق إذا ما كانت في صلب الموضوع أم لا؟ عندها يمكنك تقدير مقدار التفاهم بينكما، واللبيب بالإشارة يفهم.