طرق تعيين المُحكّم وشروط اختياره (2)

إن من المعلوم أن المحكم هو شخص يتمتع بثقة كافة الأطراف التي أولته عناية الفصل في خصومة قائمة بينها، حيث يقوم بذات عمل القاضي، إلا أنه لا يُشترط فيه شروط تعيين القاضي مثل الخضوع لنظام المخاصمة ولا تُقام ضده دعوى إنكار العدالة التي يمكن إقامتها ضد القاضي، كما لا تُسأل الجهات الرسمية عن أخطاء المحكمين.
ونظرا لأهمية عمل المحكم والحكم الصادر عنه، فقد نص نظام التحكيم رقم 46 وتاريخ 12/07/1403هـ في المادة الرابعة منه على الشروط التي يجب توافرها في من يُعين محكما بأنه ''يُشترط في المحكم أن يكون من ذوي الخبرة حسن السيرة والسلوك، كامل الأهلية وإذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وترا''. وقد تضمنت المادة الثالثة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم الصادرة طبقا لقرار مجلس الوزراء رقم 7/2021 وتاريخ 08/09/1405هـ أمورا أخرى يجب توافرها في المحكم؛ إذ ورد نصها على أنه ''يكون المحكم من الوطنيين أو الأجانب المسلمين من أصحاب المهن الحرة أو غيرهم، ويجوز أن يكون من بين موظفي الدولة بعد موافقة الجهة التي يتبعها الموظف، وعند تعدد المحكمين يكون رئيسهم على دراية بالقواعد الشرعية والأنظمة التجارية والعرف والتقاليد السارية في المملكة''.
ووفقا لتلك النصوص النظامية يُشترط أن يكون المحكم من ذوي الخبرة بالنظر إلى طبيعة النزاع الذي ينظر فيه، وذلك طبقا للمادة الرابعة من نظام التحكيم؛ ذلك أن الهدف الذي يسعى النظام إلى إقراره هو طرح النزاع على أشخاص متخصصين في هذا الجانب؛ الأمر الذي يؤدي إلى ثقة الخصوم لاختيار المحكم للحكم في النزاع، إلا أن النص السابق لم يحدد الدلائل والشروط المتعلقة بهذا الخصوص والتي يمكن تحديدها بحصول المحكم على مؤهل معين في ذات التخصص موضوع النزاع أو ممارسته دعاوى من ذات الموضوع، ويرجع تقدير كل ذلك إلى الطرف الذي قام باختياره، ومن ثم فليس للطرف الآخر حق طلب عزل المحكم لهذا السبب؛ لأنه من المعلوم أنه تم اختيار المحكم بعد التأكد من توافر هذه الخبرة فليس له الادعاء بعد ذلك بعدم توافرها، ومن ثم طلب عزله تأسيسا على هذا السبب.
إن من الشروط العامة التي تطلبها نظام التحكيم في المادة الرابعة كذلك أن يكون المحكم الذي تم اختياره حسن السيرة والسلوك، وهذا الشرط نصت عليه أغلب تشريعات التحكيم، حيث إن المحكم يقوم بعمله كالقاضي - كما أسلفنا - ويجب ألاّ تمس سمعته وتصرفاته وحياده ونزاهته أية شوائب تنال من حكمه، بيد أن مثل هذه الشروط يُفترض توافرها في المحكم إلى أن يثبت العكس بأي من طرق الإثبات التي يراها الخصم، أما شرط الأهلية والعدد فلا خلاف عليهما في النظم القانونية الأخرى التي منها النظام السعودي.
هذا، وقد منعت المادة الرابعة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم سابقة الذكر أن يكون محكما من كانت له مصلحة مادية أو أدبية في الدعوى التحكيمية، سواء كانت لصالحه أو لصالح أي من التابعين له، كذلك منعت تعيين من حُكم عليه بحد تعزيري عن جريمة من الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة، وكذلك من تم إشهار إفلاسه أو إعساره ولم يُرد إليه اعتباره؛ لأن جميع هذه الأمور تخل بقاعدة حسن السيرة والسلوك، كما أن من القواعد العامة الأخرى عدم جواز تعيين أحد خصوم الدعوى حتى لا يكون خصما وحكما في ذات الوقت، كما لا يجوز أن يكون للدائن أو الكفيل أو الضامن محكم بين المدين والغير؛ لأن من صالحه أن يقضي لمدينه حتى يستوفي حقه منه، كما لا يجوز للمهندس الذي أشرف على عملية إنشاء أو قام بتهيئتها للتنفيذ أن يكون حكما في الخصومة بين صاحب العمل والمقاول.
لقد منح نظام التحكيم الأجانب المسلمين العمل كمحكمين خلافا لبعض التشريعات التحكيمية التي لم تتطلب أن يكون المحكم مسلما، فالقضاء يختلف عن التحكيم في هذه المسألة؛ إذ إن القضاء سلطة من سلطات الدولة العامة، لذا فيجب أن يكون القاضي مسلما، أما التحكيم فليس من سلطات الدولة العامة وبذلك يجوز تعيين الأجنبي الذي يحمل إقامة نظامية كمحكم، كما أن شرط إسلام المحكمين واجب بشأن قضايا التحكيم التي تُنظر داخل المملكة بغض النظر عن ديانة الخصوم أما التحكيم الذي يعقد خارج المملكة، فإنه يخضع لقواعد القانون الدولي المعمول به في تلك الدولة، حتى وإن كان أحد أطرافه من السعوديين.
إنه في حال كون الذي يفصل في النزاع هيئة تحكيم مكونة من ثلاثة أعضاء فأكثر، فقد تطلب النظام أن يكون رئيس هيئة التحكيم - طبقا للمادة الثالثة - على دراية بالقواعد الشرعية والأنظمة التجارية. وإزاء وضوح هذا النص الذي اشترط ذلك، فإنه يقتصر على هيئة التحكيم الثلاثية وليس المحكم الفرد، والهدف الذي أراده المنظم من ذلك أن يكون الحكم الصادر مطابقا لأحكام الشريعة الإسلامية ومتوافقا مع الأعراف والتقاليد السارية في المملكة، وإن كنا نرى أن هذه الغاية تنسحب أيضا على المحكم الفرد، حيث كان يجب النص عليها حال تعيين محكم واحد للفصل في النزاع، إلا أن الواقع العملي قد حل هذه المشكلة؛ إذ عادة ما يكون رئيس هيئة التحكيم مستشارا قانونيا أو شرعيا، وأما بشأن إلمام رئيس هيئة التحكيم بالأعراف والتقاليد فهو حكم مفترض إلى أن يقوم الدليل على غير ذلك.
إن من الأمور التي تُؤخذ على نص المادة الثالثة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم أنه يُشترط في رئيس هيئة التحكيم الدراية بالأنظمة التجارية دون غيرها من الأنظمة الأخرى؛ لأن التحكيم قد يشمل العديد من المنازعات الحقوقية والمدنية والتجارية، وبمعنى أدق أن التحكيم يجوز أن يكون في جميع الأمور عدا ما استُثني بنص النظام والتي يدخل فيها جميع المجالات، ونرى أنه كان من الأفضل عدم اشتراط ذلك.
إن التفرقة بين الشروط الواجب توافرها في المحكم الذي يتم تعيينه للفصل في النزاع التحكيمي داخل المملكة، وذلك المحكم الذي يفصل في نزاع يحدث خارجها، قد تؤدى إلى خلاف حال تنفيذ الأحكام الصادرة عن هيئات التحكيم الدولية؛ لذا يُفضل توحيد هذه الشروط لتكون واحدة، سواء تم التحكيم داخل المملكة أو خارجها؛ نظرا لأن التحكيم أصبح نظاما دوليا، كما أن هذا الأمر سوف يعود بالفائدة على الأفراد والمملكة معا وإلى استقطاب خبرات تحكيمية من دول أخرى يستفيد منها العاملون بالتحكيم مما يعود بالنفع على الجميع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي