توطين الوظائف .. هل يتحقق الهدف المنشود؟
وزير العمل بحرص منه والعاملون معه في الوزارة بموضوع توطين (سعودة) الوظائف والعمالة بشكل عام من أجل القضاء على البطالة، أو على الأقل الحد منها، فقد قاموا بإعداد برنامج (نطاقات)، وإصدار بعض القرارات التي قصد من ورائها تحقيق ما يحرصون على أن يتجسد واقعيا من خلال التنفيذ العملي، والممارسات الفعلية والواقعية، ومن حرص الوزير عادل فقيه على إنجاح ما تهدف الوزارة إلى تحقيقه أراد أن يُطلع حمَلة الأقلام وقادة الرأي على ما اتخذته الوزارة بشأن إعداد برنامج (نطاقات)، فوجّه خطابات دعوة لعدد من كتاب الرأي إلى لقاء خاص يضم عددا من الزملاء والزميلات في مساء يوم الثلاثاء 4/8/1432 هـ الموافق 5/7/2011 في قاعة الديوان في فندق الفيصلية في الرياض، وكنت من المدعوين، فحضرت هذا اللقاء، واستمع الحضور بعد عرض مبرمج لمشروع برنامج (نطاقات) لشرح مفصل من الوزير عن كل نطاق، وملخصه: أن البرنامج يعطي الوزارة صلاحيات تقويم أداء المنشآت إلى ''نطاقات'' أربعة (ممتاز وأخضر وأصفر وأحمر)، ومن خلال هذه النطاقات فإن الوزارة ستقوم بدعم المنشآت في النطاقين الممتاز والأخضر باعتبار كل منهما أكدتا رغبتهما في توظيف السعوديين عمليا، وبالتالي فإن الوزارة تعطيهما الأحقية في إصدار تأشيرات جديدة لتنمية أعمالهما، وفي الوقت نفسه تعطيهما الفرصة في التعاقد مع العمالة الوافدة من منشآت النطاقين الأصفر والأحمر الموجودة داخل سوق العمل، والاستفادة من خبرتها ووجودها، وهذه المرونة ستمنح المنشآت التي حققت معدلات توطين عالية من الموظفين والعمالة السعودية فرصة حقيقية في الحصول على العمالة الوافدة من النطاقين الأصفر والأحمر دون الحاجة إلى تأشيرات جديدة؛ ما يساعد على الترشيد من استقدام عمالة وافدة إضافية، وفي المقابل فإن هذا الإجراء سيدفع المنشآت في النطاقين الأصفر والأحمر إلى سرعة توطين وظائف أكثر للارتقاء للنطاق الأخضر من أجل المحافظة على العمالة الوافدة لديها، وغاية ما يقصد بالبرنامج هو التحفيز لتوطين (سعودة) الوظائف والعمالة لتحقيق النتائج التالية:
• أن البرنامج يشجع المنشآت على توظيف السعوديين، فكلما زاد معدل توظيف السعوديين تزيد المزايا التحفيزية لما هو أفضل.
• ترشيد عدد التأشيرات بغية توفير فرص عمل جديدة.
• تحفيز المنشآت على الاستثمار بشكل أكبر في الموارد البشرية لإيجاد وظائف ذات جودة تحقق الطموح المنشود.
• ضمان تسجيل السعوديين في التأمينات الاجتماعية بغية احتساب نسبة التوطين (السعودة) التي ستكون مبنية على بيانات التأمينات الاجتماعية.
من هذا العرض المختصر قد يدرك القارئ لتفاصيل هذا البرنامج أنه سيحقق الهدف المنشود بسهولة كما اعتقده المعد له، وبعد انتهاء الوزير من الشرح لتفاصيل البرنامج بدأ الحضور في المداخلات، وكانت قليلة؛ إذ لم يتمكن بعض الحضور من طرح آرائهم نظرا لضيق الوقت، ومحصلة ما تم طرحه من آراء أن بعضا من الحضور أبدى أهمية نجاح البرنامج بشكل عام على أساس تفاؤل نظري بحت، وبتبريرات قد لا تتحقق، في حين رأى بعض من المتداخلين أن نجاح البرنامج يقتضي الدقة في التنفيذ من خلال الممارسات العملية، ومنهم من شكك في نجاح البرنامج لأسباب عديدة، منها صعوبة التنفيذ بدقة، وقال: إن مكاتب العمل جزء من المشكلة، وبصفتي لم أتمكن من طرح مداخلتي أثناء اللقاء لانتهائه بعد فترة من النقاش لضيق الوقت، والاكتفاء بما تم فإني كنت ميالا للرأي القائل إن نجاح البرنامج يقتضي الدقة المتناهية في التنفيذ، وهذا لا يتأتى إلا بكوادر من العاملين الواعين المؤهلين الذين يتحلون بالصدق والحيادية والنزاهة والفطنة،وكنت أجلت الكتابة عن رأيي بشكل أكثر تفصيلا إلى ما بعد البدء في تنفيذ برنامج (نطاقات) بتاريخ 12/10/1432هـ لتظهر بعض الحقائق من خلال الممارسات العملية لأن تنفيذ البرنامج قد يصطدم ببعض العقبات والمعوقات، لكن بعد تلقي خطاب وزير العمل رقم (207) وتاريخ 11/8/1432 هـ الموافق 12/7/2011 م بالبريد الإلكتروني الذي اطلعت عليه بعد عودتي من مكة المكرمة بتاريخ 18/9/1432 هـ الموافق18/8/20011، وكان يتضمن حرص الوزير الشديد (على إطلاع حملة القلم، وقادة الرأي العام على كل جديد تصدره الوزارة)، وكان يعرض ما اتخذته الوزارة من قرارات ثلاثة تنظم عمل المرأة:
• الأول: عن اشتراطات وتنظيمات قصر العمل في محال بيع المستلزمات النسائية على المرأة السعودية.
• الثاني: اشتراط توظيف النساء في المصانع.
• الثالث: آلية احتساب العمل عن بعد في نسبة السعودة.
وهذه القرارات تركز على إيجاد فرص التوظيف للمرأة باعتبارها تمثل نصف المجتمع، وقد تكون أغلبية البطالة في مجال التوظيف النسوي، وهذا سيدخل في مجال تطبيق برنامج ''نطاقات''، وهذه جزئية بسيطة مما تساعد على إنجاح البرنامج، ولو بشكل جزئي ضئيل، وهذا هو الذي جعلني أبادر بالكتابة بطرح رأيي المتواضع عن مدى نجاح برنامج ''نطاقات ''؛ إذ لا نتصور نجاح البرنامج بمعالجات جزئية، بل لا بد من معالجات شاملة لكل المشاكل والمعوقات والعقبات التي تحول دون نجاح البرنامج، وبالتالي إثارة الشك بعدم تحقيق الهدف المنشود؛ ولذا لا يستغرب ما يقال حول النقاش الحر مع أصحاب المنشآت بأنه (.. يصيبه شيء من الدوار والالتباس من التعقيدات التي تنتظر المرحلة التطبيقية..) (مجلة تجارة الرياض العدد '' 587 '' رمضان 1432 هـ، أغسطس 2011 م ـ نطاقات التوطين ''الجزرة أو الحرمان'' ص. 16 ـ21)، ولا شك أن المشكلات والمعوقات والعقبات كثيرة منها مشكلة العمالة السائبة من العمال الهاربين من الشركات والمؤسسات والأشخاص الذين استقدموهم، والعمال المتخلفين من الحج والعمرة والزيارات، والعمال الذين دخلوا المملكة بالتسلل، فضلا عن مشكلة التستر على العمال الذين يزاولون الأعمال والأنشطة المنافسة للتوطين تحت ما يسمى (التأشيرات الحرة) عند مزاولي هذه المخالفات النظامية، وهذه - بكل أسف - تتم من قبل مواطنين يهمهم مصالحهم الشخصية بالحصول على المال بسهولة، وبطريق غير مشروع؛ لكونهم لا يراعون الأخلاق والمثل الإسلامية العالية، والمصالح العامة بالتقيد بالأنظمة، وذلك بالابتعاد عن استغلال العمالة بالأخذ مما يحصلون عليه من كسب جهودهم، وهذا التصرف شوه سمعة المملكة بما يثار من قبل هيئات وجمعيات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية في وسائل الإعلام المختلفة بنقد (نظام الكفالة)، ووصفها باستعباد البشر واستغلالهم؛ لأن العامل يعامل معاملة (الرقيق) على حد زعم الناقدين، وتكييف وضع استقدام العمالة بأنه (نظام الكفالة) مع أنه لا يوجد نظام بهذا الاسم أصلا، وذلك بسبب شيوع استخدام كلمة (كفيل) خطأ؛ لأن ما يتم من الناحية القانونية هو استقدام للموظف أو العامل غير السعودي بموجب ''عقد عمل'' وفق إجراءات وتعليمات محددة تحكم علاقة الطرفين والوسيط (مكاتب الاستقدام)، ولو تم إنشاء شركات للاستقدام لتصحح الوضع، بل لقضي على كثير من المشكلات مثل التستر، والاتجار ببيع التأشيرات من قبل من وصفوا (بمدمني الاستقدام)، فضلا عن الاعتماد على العمالة السائبة، وغير ذلك من السلبيات المتنوعة كهروب العمالة، وما يصاحب ذلك من مخالفات وجرائم واستغلال لراغب العمالة من قبل من يشجعون على هروب العمالة وإيوائهم، ولا يعرف عن الأسباب الحقيقية التي أعاقت إنشاء شركات الاستقدام، التي نقرأ ونسمع عنها، والحديث عنها يطول، ومن نافلة القول إن إنشاء شركات الاستقدام سيساعد على إنهاء كثير من مشاكل العمالة الأجنبية، وبالتالي المساعدة على توطين الوظائف والعمالة متى صدقت النوايا، ووجدت العزائم المتجردة عن الهوى، والأغراض الشخصية، والكتابة عن موضوع توطين الوظائف، ومعالجة وضع العمالة الأجنبية في مقال قصير لا يكفي، بل يحتاج إلى طرح موضوعي مفصل في كتاب، وسبق أن تكلمت عن هذا الموضوع الشائك في مقال بعنوان (توطين الوظائف وتنظيم العمالة محل اهتمام وزير العمل.. فهل تتحقق طموحاته؟!) نشر في هذه الصحيفة بتاريخ 6/1/1426 هـ الموافق 15/2/2005، وذلك في وقت تولي الوزارة من قبل الدكتور غازي القصيبي - يرحمه الله، والذي وعد في بداية توليه بقوله إن الوزارة تبذل كل الجهود لمعالجة الوضع بجدية، لكن لا يمكن القضاء على كل المشكلات في سنة أو سنتين، مؤكدا (أنه لم تعد هناك تأشيرات تصدر لأصحاب المؤسسات الوهمية)، وبذل الدكتور غازي جهودا كبيرة علمية وعملية تتمثل في تعليمات وتصريحات ولقاءات متعددة طرحت فيها آراء ومقترحات، ونداءات ومطالبات ملحة بالتعاون مع وزارة العمل من أجل القيام بدورها لمصلحة الوطن والمواطن، ولعل من أهم اللقاءات المؤثرة - حقا - المحاضرة التي ألقاها الدكتور غازي - يرحمه الله - في مركز الملك فهد الثقافي بعنوان (نحو استراتيجية موحدة لمكافحة البطالة) فقد قال: كلاما مفيدا علميا وعمليا أوردت مقتطفات بسيطة في المقال المشار إليه مما قاله في المحاضرة، وقد توفاه الله قبل أن يحقق طموحاته؛ لأن جهوده جوبهت ببعض المعوقات والعراقيل، من ذلك على سبيل المثال ما قرأته في مقال الدكتور محمد آل عباس بعنوان (الوزير المتفائل وحمى الاستقدام) المنشور في هذه الصحيفة بتاريخ 15/8/1432 هـ الموافق 16/7/2011م عندما كتب ما نصه: ''في اللقاء الوطني السابع للحوار الفكري قبل ثلاث سنوات قال حينذاك الدكتور غازي القصيبي: (إن الوزارة لو استمرت في تخفيض الاستقدام لمدة ستة أشهر لما بقي في المملكة أي عاطل أو عاطلة)، ثم لتوضيح أسباب إيقاف المشروع الطموح قال - كما طالعتنا بذلك الصحف - إنه عندما ضيقت الوزارة الخناق على ''مدمني الاستقدام'' أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، فما كان من الوزارة إلا أن عادت إلى سابق عهدها''، والذي يخشى منه أن برنامج ''نطاقات'' قد لا ينجح بسبب المشكلات والمعوقات والعقبات سالفة الذكر إذا لم تعالج ويقضى عليها كليةً، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.