سقوط نظرية الفسطاط
كان زعيم القاعدة أسامة بن لادن مغرماً بمصطلح الفسطاط وبأن العالم مقسوم إلى فسطاط للخير وفسطاط للشر، ومع حقيقة أن الخير يعاني كثيراً نوازع الشر ومفاسده، إلا أن هذه النظرية الاعتسافية التي بنى عليها بن لادن إعلان الحرب على العالم مستخدماً الإرهاب بتدميراته الشنيعة وسيلة قد سقطت، لأنها لم تزد العالم إلا شروراً طالت الضحايا من البشر الأبرياء، ودمرت ممتلكات عامة وخاصة ووترت العلاقات الدولية وسممتها، وجعلت الإسلام بتفسيرات زعيم القاعدة المتطرفة متهماً في أذهان حكومات وشعوب فيما الإسلام مما جره عليه من بلوى براء.
غير أن رحلة تطبيق نظرية الفسطاط التي كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر أشنعها وكانت لها تطبيقات سابقة ولاحقة في عدد من بقاع العالم ومنها السعودية التي عانت أشد المعاناة من ضرباتها واستطاعت الإجهاز عليها بنجاح مشهود، هذه النظرية الفسطاطية حفرت قبرها في اقتراف عملها الشنيع بتفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك وظل القبر يبتلع إرهابياً بعد آخر إلى أن انتهى بمقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن قبل شهور، ما شكل سقوطاً مدوياً لتلك النظرية المتطرفة بسقوط صاحبها جثة في المحيط وإن بقي ذيول من متطرفين آخرين، فإن ذلك لن يشكل سوى إشارة بائسة إلى أن شيطنة العالم بفسططته قد انتهت.
وإذا كانت قد مرت على أحداث الحادي عشر من سبتمبر عشر سنوات، فالمسافة الزمنية في مجمل تفاصيلها أشبه برواية لمنطق معاكس تماماً لما عشش في ذهن زعيم القاعدة وغيره ممن وقفوا معه أو غرر بهم من صغار السن والشباب .. فتيار التكفير والجماعات الإسلامية المتطرفة بات في أذهان العرب والمسلمين والعالم مثالاً مناقضاً للحياة السوية، وبالتالي للتطلعات المشروعة في تحقيق حياة كريمة تنعم بالعلم والتنمية والسلم الاجتماعي والأمن، وهي الأمور التي لم تكن مطروحة في خطاب القاعدة وغيرها من جماعات تكفيرية متطرفة، ولذلك خبت الأضواء المفتعلة حولها وانحسر عنها المريدون، بل صار الشجب والتنصل من أفكارها، فضلاً عن سلوكياتها هو القاعدة.
إن أبرز معالم سقوط نظرية الفسطاط وموتها الفعلي تبدى بعد مقتل صاحبها، في الربيع العربي، ففي كل الدول العربية التي شهدت مظاهر هذا الربيع غابت بشكل مطلق صور زعيم القاعدة وسواه، ولم يرفع شعار واحد يمت بصلة لفكر القاعدة وغيرها من أمثاله من طروحات متطرفة، وإنما كان المطلب للحرية والتنمية ومحاكمة الفساد ورفع المظالم بأسلوب سلمي لم يلجأ فيه شباب العرب وجمهوره للغة العنف أو أداته. أليس هذا سقوطا مدويا لنظرية الفسطاط وموتا معلنا لها على نطاق العالم؟ سؤال يفترض اليقظة، ليس لأن ذلك لم يحدث، بل لكيلا يقفز من كهوف المجهول مخبول بهذه النظرية أو أمثالها لارتكاب عمل إجرامي بدافع الانتقام على طريقة هدم المعبد على من فيه.