هيئة لمراقبة الأداء الحكومي!

في كل مرة أسمع فيها عن خطط ومبادرات وتصريحات لمسؤولين حكوميين أتذكر أخبار أسلافهم (إن كان لهم أسلاف) أو أتذكر تصريحات المسؤولين أنفسهم في سنوات مضت ومناسبات خلت، وأسأل: ماذا تم بخصوص تلك المشاريع؟ وماذا حدث بعد تلك الإعلانات؟
أطرح تلك الأسئلة ولدي قناعة بأن القيادة العليا تتابع جميع الأمور التي تفرزها متغيرات الأوضاع في جميع الدوائر الحكومية إما خلال الجلسات الأسبوعية لمجلس الوزراء وإما من خلال الحرص الشخصي لخادم الحرمين على المتابعة المستمرة لكثير من الإجراءات الحكومية، وحرصه - حفظه الله - على تيسير حياة المواطنين في جميع نواحي الحياة. إضافة إلى ذلك فإن الجهد المقنن الذي يبذله مجلس الشورى في مراجعة كثير من القرارات الوزارية وكذلك استضافة بعض المسؤولين ومناظرتهم طريقة أخرى لمتابعة الأداء الحكومي، وإن كانت هذه المتابعة ليست على أسس زمنية محددة وليست لها آليات متابعة واضحة إلا أنها تعطي انطباعا للتوجه العام للدولة. لكن لماذا نجدنا دائما نطالب بالإصلاح؟ ولماذا لم تتطور الخدمات الحكومية للمواطن؟
وبما أننا في حديث الذكريات فإني أتذكر هنا اللجنة الوزارية للإصلاح الإداري والأدوار التي أنيطت بها خلال فترة تأسيسها ونتج عنها التشكيلات الحكومية بشكلها الحالي، ولسنا هنا لنقيم نجاح تلك التجربة من عدمه، لكن للاستشهاد بأن هناك توجها ونية صادقة لدى القيادة لتطوير العمل الحكومي، لكنه يتوقف! والآن أرى هيئة مكافحة الفساد، وأسمع تصريحات جديدة للوزراء والمسؤولين، وأسمع عن مبادرات في جميع قطاعات الحكومة، لكني أعيد السؤال: هل ستكون تلك التصريحات ذكرى نتذكرها خلال قادم السنوات؟
إن المعاناة التي يواجهها الجميع في مراجعة الدوائر الحكومية وارتفاع مستوى البيروقراطية وانتشار الفساد الإداري تكاد تكون تجربة مر بها الجميع إلا القليل، ولو عملنا إحصائية لعدد المرات التي يستأذن فيها موظف دائرة حكومية لينهي معاملة شخصية واحدة في دائرة حكومية أخرى لرأينا العجب العجاب، على سبيل المثال، انظر عدد مكاتب الخدمات العامة في المملكة (التعقيب) وعدد الموظفين الذين يعملون فيها والمبالغ التي يتقاضونها، التي أكاد أجزم بأنه لا يوجد مثيلها في العالم. لماذا يوجد لدينا مثل هذا الكم من المعقبين؟ ولماذا دائما نحتاج إليهم؟ لمعرفة الجواب قم بزيارة لإحدى الدوائر الحكومية التي تتعامل مع الجمهور لترى التعقيد والتمطيط والتمديد والمزاجية و.......
إن هذا الكم الكبير من المشكلات الإدارية يجعل من الحاجة إلى غربلة إدارية لكثير من تلك الدوائر حاجة ملحة لضمان التطور والإصلاح الذي تسعى الدولة إلى تحقيقه ليس لهدف التغيير إنما لتعزيز نظرية الإصلاح من جميع جوانبها، ولا شك أن جميع الأمور التي ذكرناها في ثنايا مقدمة الطرح هي بمنزلة وقود لتأكيد الحاجة الماسة إلى نظرة أكثر شمولية وكذلك أكثر واقعية لواقع الحال في الدوائر الحكومية المختلفة، وحين نقول الدوائر الحكومية فإننا بلا شك نقصد التغيرات القيادية التي تعتري تلك الدوائر من حيث تعيين وزراء جدد يبدأون بالوعود وينتهون بالاصطدام بالوقع البيروقراطي والفساد الإداري وغيرهما من أسباب التخلف الإداري.
إن الحاجة إلى هيئة لتقييم الأداء الحكومي خلال الفترات الوزارية المتلاحقة أصبحت ملحة في ظل سعينا إلى تطوير الاقتصاد وبيئة الاستثمار، وهنا الموضوع لا يحتاج إلى وزارة مستقلة، كل ما نحتاج إليه أن نسّخر بعض الأجهزة الحكومية والخاصة لتكون بمنزلة لجنة تقييم لأداء الوزارات، وأن تكون هناك استراتيجية واضحة يقدمها كل وزير جديد يوضح فيها خططه للسنوات الأربع المقبلة من حقيبته الوزارية، وتكون هناك معايير محددة لتقييم الأداء داخل الوزارات المختلفة.
أتمنى صادقاً أن يكون لدينا جهاز رقابي محترف يرصد العوائق ويقلل الأخطاء ويقضي على الفساد ويضعنا على طريق الإصلاح الإداري الصحيح، للاستفادة مما نعيشه اليوم من رخاء اقتصادي وفكر إصلاحي لبناء مستقبل أكثر إشراقاً ونمو أكثر استدامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي