هل جامعة الإمام بحجم التحدي؟
قرأت مراجعة لكتاب ''هل هناك أهمية لأي شيء''؟ Does nything matter لدرك بافرت أستاذ الفلسفة في أكسفورد. الكتاب حول فلسفة الأخلاق ويحاول أن يقنع القراء أن الأخلاق هادفة موضوعياً وليست ذاتية. فكما 1+1=2، فإن الأخلاق في الأخير ذات معنى منطقي، فمثلاً إذا عرفت أن عمل شيء قد يسبب لك الألم في المستقبل فإنك سوف تتفادى هذا العمل ولن يكون هناك خلاف حتى لو أن الألم قد تسبب للآخرين (مع بعض الحسابات المنطقية). وهنا يفرق بين العقلانية كأسلوب عملي وبين أصل الفكرة فهو يرى الأخلاق الهادفة مصدرا فكريا ومعنويا يستخدم المنطق كأسلوب عمل وهو بذلك ينفي في الأخير الآراء الفلسفية المضادة حول الأخلاق بأنها ذاتية المنبع. في أثناء قراءة هذه المراجعة تبادر إلى ذهني دور جامعاتنا في إعادة تأطير الأسس الفلسفية لمجتمعنا وتجديد مناهجنا الفكرية وإمداد المؤسسات التي تدير حياتنا بمنظومة فكرية قادرة على أن تواكب العالم وتدافع عن هويتنا وثقافتنا من جميع أركانها وإعادة قراءة وصياغة التاريخ الفكري لمواكبة الزمان.
ارتبطت جامعة الإمام ليس بتأسيس التعليم الجامعي فقط بل الدور الأيديولوجي والفلسفي لبلادنا منذ نشأة مدارس التوحيد في الطائف ومكة، ومن ثم المعاهد العلمية في الرياض ومن ثم بقية المدن السعودية إلى أن أصبحت جامعة الإمام أحد حاملي هذه المسؤولية. هناك دول إسلامية وعربية كثيرة ولكن ليس هناك دول كثيرة تستطيع أن تكون متطورة فكرياً ومادياً دون أسس فلسفية ومعرفية للوصول إلى تحديد منطلقات فكرية تكون قاعدة لمرجعيات تنظيمية. علينا إعادة النقاش الفلسفي المحموم لابن رشد وابن سينا والفارابي والغزالي وغيرهم، وعلينا قبول حقيقة أننا توقفنا منذ زمن هؤلاء ولذلك حان الوقت لجامعة الإمام وجامعة أم القرى والجامعة الإسلامية في المدينة وفرع جامعة الإمام في الأحساء وكلية الشريعة في أبها إثراء النقاش والجدل الفكري أكاديمياً بين جميع المذاهب والمدارس الفكرية أكاديمياً. الخوف من النقاش الأكاديمي يضعفنا جميعاً ويجعل من الأسئلة حول الهوية أكثر إلحاحاً وأكبر خطراً، بل أكثر ضرراً في ظل قبول التعويل على أطر فكرية استهلكت وبدأت تفقد سيطرتها ليس على النابغين في مجتمعاتنا فقط بل حتى على العامة.
في ظل تكاثر الجامعات حان الوقت للتخصص والتعمق والعلاقة مع الواقع. فلا يمكن لجامعة الإمام تدريس المحاسبة في محاولة لتقليد جامعة الملك سعود ولا يمكن لجامعة أم القرى تقليد جامعة الملك عبد العزيز في دراسة الطب ولا يمكن للجامعة الإسلامية ألا تقبل المدارس الفلسفية وإثراء النقاش وإعطاء الفلسفة مكانها الطبيعي.
ثقافتنا وتاريخنا الإسلامي غني ومتدفق ولكننا ابتعدنا عن الرغبة والدافع الاستمراري، قد يكون هناك مدخل إداري بتقسيم جامعة الإمام إلى جامعتين، الأولى تختص بالنواحي الشرعية والثقافية والتاريخية والاجتماعية بغرض التركيز والتعميق وجامعة أخرى لتدريس المواد المهنية (هناك مثل طيب في تركيز جامعة الملك عبد الله على البحث بعد الجامعة). هذا الخلط يساعد على ضياع هوية الجامعة ولكن الأهم أنه يضعفها في أهم ناحية في حياة المجتمع: إعادة تأطير الشخصية الجديدة في ظل بيئة ونظام عالمي يحمل مخاطر كبيرة نحتاج فيها إلى مركزية قلاع فكرية وثقافية بنوافذ مفتوحة.