إيران وتحديات المجتمع الدولي ومؤامرة الاغتيال

يأتي اتهام الولايات المتحدة الأمريكية لإيران بالوقوف وراء ما بات يعرف بـ "مؤامرة اغتيال"، عادل الجبير، سفير السعودية لدى واشنطن، كي يعلن عن دخول إيران مرحلة جديدة من المواجهة مع الولايات المتحدة، وعن دخول العلاقات السعودية الإيرانية مرحلة من التوتر والتأزم، بالرغم من الحرص الدائم للأوساط السياسية والديبلوماسية في المملكة العربية السعودية على عدم المجاهرة بالخلافات مع إيران، وعلى سعيها إلى تفادي المواجهات والابتعاد عنها قدر الإمكان، لكن يبدو أن الأمر مختلف تماماً هذه المرّة، خصوصاً أنه جاء بعد أن اتهمت المملكة "دولة أجنبية" بالوقوف وراء أحداث بلدة "العوامية" في خاصرتها الشرقية.
ولعل الأهم هو مواجهة إيران تحديات جديدة مع المجتمع الدولي، بما يفضي إلى فرض عقوبات جديدة عليها، وتشديد الخناق والغزلة على النظام الإيراني، خاصة بعد إحالة بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة ملف المؤامرة الإيرانية إلى مجلس الأمن الدولي، بناء على طلب كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، التي اعتبرتها "مؤامرة بشعة"، وتشكل "انتهاكاً للقوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة وكل المواثيق والأعراف الإنسانية".
وبعد إعلان الإدارة الأمريكية عن كشفها خطة مؤامرة الاغتيال، فإن أسئلة عديدة تطرح في هذا السياق، تطاول طبيعتها وحيثياتها وتوقيت الإعلان عنها، والهدف من اغتيال السفير السعودي في واشنطن، وعلاقتها بالوضع الإقليمي في المنطقة، وبالمتغيرات والتحولات التي تحملها ثورات الربيع العربي، وعن الفائدة التي سيجنيها قادة النظام الإيراني من ورائها، وسوى ذلك من الأسئلة.
خطورة المؤامرة
وبالرغم من مسارعة القادة السياسيين الإيرانيين إلى نفي أي علاقة لبلادهم بمؤامرة الاغتيال، وذلك على لسان المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد، إلا أنهم اضطروا - تحت الضغط - إلى قبول النظر فيها، بغية "التحقق والتثبت" من صحة الاتهامات الأمريكية، حسبما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية على لسان، علي أكبر صالحي، وزير الخارجية الإيراني. واعتبر بعض المحللين السياسيين أن هذا التغير في الموقف الإيراني بمثابة اعتراف ضمني بالتورط في مؤامرة الاغتيال، لكن هنالك من اعتبره دليلاً على اختلاف المواقف والانقسامات في صفوف النظام الإيراني ومراكز صنع القرار ما بين مجموعة خامنئي ومجموعة أحمدي نجاد.
ويعي القادة الإيرانيين أن الاتهامات الأمريكية لإيران، هذه المرّة، تختلف في طبيعتها وخطورتها عن الاتهامات السابقة التي ساهمت في تأزم العلاقات بين البلدين، كونها صدرت عن وزير العدل الأمريكي، بالاستناد إلى معلومات ومعطيات يمكن تقديمها وعرضها على المحاكم وأمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، الأمر الذي يكسبها طابعاً قضائياً، لا تقل أهميته عن طابعه السياسي، لذلك جاء تأكيد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن بلاده تمتلك أدلة ليست موضع جدل. والأهم من ذلك كله، هو أنها تمس السيادة الأمريكية، وميدانها هو الأراضي الأمريكية، وبالتالي فإن حساباتها مختلفة، وردها سيكون مختلفاً، ولن يغيرها نفي طهران لها، واعتبارها محاولة لعزلها، وأنها تفتقر للأدلة والبراهين. فضلاً عن أن المملكة العربية السعودية ومعها أغلب دول الخليج العربي، سوف تتخذ خطوات سياسية ودبلوماسية واقتصادية ضد النظام الإيراني، وتوظف ثقلها العربي والإسلامي في سياق الرد على خطة استهداف سفيرها، الأمر الذي يزيد من عزلة هذا النظام.
وبالرغم من توعد الرئيس الأمريكي بسعي إدارته لتطبيق "أشد العقوبات" على إيران، وأن بلاده "لن تستبعد أي خيارات في التعامل مع إيران"، إلا أن العديد من أعضاء الكونجرس الأمريكي راحوا يوجهون سهام انتقاداتهم إلى سياسة الانخراط التي اعتمدها باراك أوباما مع النظام الإيراني، والتي دفعته إلى عدم دعم "الثورة الخضراء" التي نجحت آلة القمع الإيرانية في خنقها. وعليه، طالب رئيس مجلس النواب الأمريكي، جون بينر، بمعاقبة إيران، فيما أبقى السيناتور جون بايدن على كل الخيارات لمعاقبة إيران، لكن الاتجاه الغالب هو أن يتخذ الرد الأمريكي - على الأرجح - أبعاداً سياسية وقانونية وقضائية، ولن يكون عسكرياً، بالرغم من أن بعض التصريحات تحمل طابع العمل الحربي.
التوظيف الأمريكي:
لا شك في أن كشف الإدارة الأمريكية عن خطة الاغتيال في هذا التوقيت تهدف إلى محاسبة إيران على سلوكها الإقليمي، والضغط عليها من جهة ملفها النووي المثير للجدل والقلق لدى الأوساط الغربية ولدى بلدان الخليج، وستتخذها مناسبة لفتح ملف علاقة إيران مع تنظيم "القاعدة"، واحتضانها لبعض عناصره، وسلوكها في أفغانستان والعراق، وتدخلاتها في أحداث بعض البلدان العربية، وخصوصاً تدخلها في الأزمة السورية من خلال دفاعها عن النظام السوري ودعمه ضد حركة الاحتجاج المستمرة منذ أكثر من سبعة أشهر.
وما يثير حفيظة وارتياب الإدارة الأمريكية هي محاولة النظام الإيراني تثبيت معادلة دولية، تقوم على لعب إيران دور الدولة المحورية، من خلال تزعم المشرق الإسلامي تحت يافطة ذرائعية، فحواها الصراع مع إسرائيل ومجابهة الولايات المتحدة الأمريكية، وهي يافطة شعاراتية فارغة، لأن نظام الملالي سارع على الدوام إلى مهادنة المشاريع الأمريكية واستفاد منها، بل وساعد الإدارات الأمريكية على تنفيذها في أفغانستان وفي العراق، في حين أن الصراع المزعوم مع إسرائيل اكتسى معاني لفظية طنانة فقط. ويهدف النظام الإيراني من ورائه ضمان أمنه سلامة نخبته الحاكمة، إلى جانب سعيه إلى إيجاد مجال حيوي لنفوذه الإقليمي.
وتريد الإدارة الأمريكية احتواء النفوذ الإيراني، بل والحدّ من تنافي دور إيران الإقليمي في المنطقة، وذلك عشية انسحاب قواتها العسكرية من العراق، ولن يرضيها أن يقع العراق بكامله تحت النفوذ الإيراني، وذلك في ظل غياب أي محور فاعل في المنطقة قادر على الوقوف بوجه النفوذ الإيراني، حيث سعت إيران، خلال العقود الثلاثة الماضية، إلى بناء شبكة معقدة مع العلاقات في المنطقة العربية، وتمكنت مع امتلاك أوراق عديدة في دول المشرق العربي، بدءاً من العراق، الذي تمكنت فيه من إيجاد قوى سياسية عراقية فاعلة على الأرض، مكونة من ميلشيات وأحزاب مذهبية، تنفذ سياساتها بالرغم من علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية. ودعمت إيران حزب الله اللبناني، بل وساهمت في تأسيسه وتقويته، ومدّه بالرجال وبالمال وبالسلاح. كما دعمت مجموعات مذهبية في بلدان الخليج العربي، حيث دعمت بشكل كبير التمرد المسلح لجماعة الحوثيين في اليمن ومدّتهم بالأسلحة والمال، بل وأوعزت إليهم للتحرش بالحدود السعودية، واستخدمتهم في معركة ذات أبعاد إقليمية واضحة. وساند النظام الإيراني وبشكل علني الحراك الشعبي الاحتجاجي الذي جرى في البحرين، بينما وقف هذا النظام ضد الثورة السورية ذات الطابع السلمي، وأعلن رموزه عن دعمهم المطلق للنظام السوري في وجه أي حراك شعبي احتجاجي أو مطلبي في سورية.
ولم يتردد قادة النظام الإيراني عن استخدام أي وسيلة كانت في سبيل تحقيق مصالح نخبته الحاكمة ومصالح حلفائه في المنطقة، مستنداً إلى نهج يبرر الوسيلة في خدمة مصالحه، لذلك فإن الاتهامات الأمريكية الموجهة تتلاقى مع توجه صقور النظام الإيراني، بصرف النظر عن صحة الاتهامات أو عدم صحتها. وهي تلتقي مع ما يجري في المنطقة العربية من أحداث ومتغيرات، حيث تحاول إيران أن تقلل من خسائرها، وأن تشعل صراعات في بعض الدول العربية، وخصوصاً دول الخليج، بغية تحويل أنظار الداخل الإيراني إلى الأماكن التي تستهدفها، بالنظر إلى مناهضة أغلب دول الخليج لسياسة إيران في المنطقة العربية.
وقد سبق أن اتهم النظام الإيراني بقيامه بعدة عمليات اغتيال واعتداءات في بعض البلدان الأوروبية وفي بلدان أمريكا اللاتينية، وخاصة الأرجنتين، واستهدفت بعض المعارضين الإيرانيين والمناهضين للثورة الإيرانية، وتحدثت تقارير عديدة عن المنفذين المقربين والمتحالفين مع النظام الإيراني وعن عناصر من الحرس الثوري، وخاصة "فيلق القدس".
المتغيرات العربية
وتمثل تحولات كبرى في التاريخ العربي المعاصر، وتسطّر مرحلة جديدة، بدأت بالتشكل منذ قيام الحركة الثورة التونسية، وما زالت رياحها تجتاح معظم البلدان العربية. وتثير المتغيرات التي تحملها الثورات والحركات الاحتجاجية العربية قلق إيران، كونها تخشى على امتداد تأثيرها نحو الداخل الإيراني، وتتخوف من أن المتغيرات والتطورات الجديدة ستطول الدور الإقليمي لإيران وتدخلاتها في العديد من البلدان العربية. ولعل أولى تأثيرات الربيع العربي على الدور الإيراني هو نجاح مصر بعد الثورة في جذب حركة "حماس" نحو الحضن المصري، من خلال توقيع المصالحة مع حركة "فتح"، ثم توقيعها على صفقة التبادل مع إسرائيل، الأمر الذي يشي بابتعاد حركة حماس عن الوصاية الإيرانية.
ويبدو أن إيران امتعضت من التحول الذي طرأ على موقف حركة حماس، وابتعادها عن احتضان دمشق لقادتها، وفوجئت بتوصل حماس إلى صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل التي كانت تعقد إبرامها لعدة سنوات خلت. كما أن الحكومة المصرية الجديدة اعتبرت أن أمن دول الخليج جزء لا يتجزأ من أمن مصر، بما يعني تثبيت خيبة أمل النظام الإيراني من الثورة المصرية، وتوجه مصر الجديدة نحو عمقها العربي. ويؤكد ذلك الدعم المالي الكبير الذي تلقته مصر من المملكة العربية السعودية، إضافة إلى دعم بعض دول الخليج الأخرى.
ولا شك في أن النظام الإيراني يشعر بالقلق من استمرار الأزمة السورية، ومن دعم واشنطن والدول الغربية لمطالب الحركة الاحتجاجية، واتخاذها عقوبات اقتصادية وسياسية ضد النظام السوري، ويثيره كثيراً موقف تركيا حيال الأزمة إلى درجة أنه وجه تحذيراً إلى تركيا، وطالبها بتغيير موقفها من الحراك الاحتجاجي السوري. وفي هذا السياق يثير موقف مجلس التعاون الخليجي مما يجري في سورية غضب قادة النظام الإيراني، ويجعل إيران تقف وحدها مع النظام السوري، بوصفه الحليف الاستراتيجي الوحيد لها في المنطقة العربية، لذلك تتخوف إيران من الموقف السعودي وثقله وتأثيره على موقف جامعة الدول العربية حيال الأزمة السورية، ومن احتمال اتخاذ الجامعة العربية لخطوات ضد النظام السوري، وبما يطالب بتأمين الحماية الدولية للمدنيين. ولا تغيب عن أنظار قادة النظام الإيراني مبادرة دول مجلس التعاون، بخصوص الأزمة اليمنية، وتأمين الانتقال السلمي للسلطة في اليمن.
ولا يبتعد عن الحسابات الإقليمية مدى التنافس بين إيران والمملكة العربية السعودية، ويظهر ذلك جلياً في المواقف والتدخلات في كل من العراق والبحرين وسورية، وبالتالي دفعت الثورات والانتفاضات العربية كلا من السعودية وإيران نحو مواجهة مفتوحة، حيث تسعى المملكة السعودية إلى حماية أمنها الوطني، وقطع الطريق أمام محاولة إيران إثارة القلائل وعدم الاستقرار في بعض دول المنطقة، خاصة أن الساسة الإيرانيين مازالوا يعتبرون البحرين ساحة مفتوحة، وأن المملكة العربية السعودية هي من أجهض التغيير الذي تأمله في البحرين، من خلال إرسالها قوات درع الجزيرة. كما أنهم يريدون أن تغير السعودية موقفها من ممارسات النظام السوري حيال الانتفاضة السورية.
ويمكن القول إنه ليس بالضرورة أن تشهد المواجهة الجديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية مع إيران إلى اندلاع حرب ضد إيران، إذ ليس من مصلحة دول وشعوب المنطقة نشوب حرب جديدة، كما أنه ليس هناك ما يؤشر على ذلك، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية تستعد للانسحاب من العراق، وتواجه حرباً مكلفة جداً في أفغانستان. كما أن النظام الإيراني ليس مستعداً لخوض أية مواجهة عسكرية، فضلاً عن أن دول الخليج، بما فيها المملكة العربية السعودية، تتفادى أي تصعيد قد يفضي إلى مواجهة عسكرية في الخليج العربي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي