"التغيير" بيد أعضاء مجلس الغرف التجارية
<a href="mailto:[email protected]">abdullahbinmahfouz@gmail.com</a>
القاعدة القانونية تقول: إن التغيير في الأنظمة ما هو إلا تعبير عن الإرادة والتفاعل، مما يعني أن التغيير كمبدأ رئيسي في جميع شؤون الحياة هو قاعدة) وليس (استثناء ! نظرة فاحصة وقراءة عميقة لمجريات الأحداث في السعودية خلال الأعوام الماضية من خلال منظومة التشريعات والقوانين، تثبت أن )التغيير(، لطالما كان إرادة وتفاعلا بدءا من صانع القرار وانتهاء بالمواطن! وليس المجال هنا بطبيعة الحال الخوض في كل ما حدث خلال الأعوام الماضية، حتى لا ) أفسر الماء بعد الجهد بالماء( لكني أحد أفراد جيل يعيش حالياً أكبر تغيير تشهده إحدى أبرز المؤسسات شبه الرسمية، ألا وهي الغرف التجارية الصناعية.
جمع كبير من الكتاب الاقتصاديين منذ سنوات عدة تناولوا شأن الغرف التجارية الصناعية، حتى أن صديقنا الإعلامي حسين شبكشي خصص حلقة في برنامج )التقرير) حينما بدأت تداعيات وأحداث الغرف التجارية تخرج من الأبواب المغلقة إلى )العلن( كل الآراء والأطروحات أكدت ضرورة إحداث )عاصفة) تغيير في فلسفة إنشاء هذه الكيانات وقوانينها، خصوصاً أننا قطعنا شوطاً كبيراً من المعرفة والتطور، كما أن متطلبات المرحلة الحالية تضع هذه المؤسسات على
)المحك).
كل تلك الآراء أكدت أيضاً أن الغرف التجارية الصناعية واحدة من أكثر المؤسسات شبه الرسمية تفاعلاً مع القطاع الخاص، وأنا أقول ودون مبالغة، إن ترمومتر نشاط أي مدينة سعودية كبرى أو صغرى ينطلق من مدى قوة غرفتها التجارية والصناعية التي باتت باستطاعتها أن ترسم مستقبلا مشرقاً لها، كما أصحبت أيضا نقطة انطلاق لأي تجمع استثماري وحتى اجتماعي أيضا. ولاحظنا خلال الأعوام الماضية أن بعض )القياديين) في تلك الغرف تم اختيارهم بناء على أدائهم وكفاءتهم ليكونوا أعضاء في كثير من الهيئات والمجالس واللجان الحكومية ومجلس الشورى.
هذا يعني حقيقة مهمة جداً، أن الغرف التجارية والصناعية أصبحت عضواً فاعلا في المجتمع بشكل عام، والدليل على ذلك أن القيادة السعودية تختار في أحيان كثيرة نخبة من أعضاء هذه الغرف، لتستمع إلى آرائهم ومقترحاتهم وتعطي أيضا إشارة قوية على أنها تدعمها وتساندها في توجهاتها.
أعود إلى موضوع التغير، حيث على أرض الواقع تتبع الغرف التجارية الصناعية وزارة التجارة والصناعة (قانونيا) ، وللوزير حق تعيين نسبة من الأعضاء حسب أعدادهم، لكن في الوقت نفسه، ليس الوزير مسؤولاً عما يدور في الغرف. والمثير في هذه العلاقة أن الوزير هو أول شخص يتأثر سلباً بأدائها، على رغم أنه لا يملك سلطات إدارتها.
أمام ذلك، لا نود )مديح) معالي الوزير هاشم يماني، فلقاؤه أعضاء غرفة تجارة وصناعة جدة كشف عن ملامح رئيسة لتطورات يتوقع أن يكون لها تأثيرات إيجابية في هذه الكيانات ودورها.
لا أود القول إن حديث الوزير تجاوز الصراحة إلى الصرامة في كثير من النقاط ، لعل في مقدمها أهمية العمل علي انتهاء الدور الجبائي لها كعمل مؤسسي، عبر مهام التصديق على الأوراق والمستندات الرسمية، إضافة إلى انتهاء "بريستيج" العضوية وإلزام العضو بالعمل والمشاركة, هكذا كررها الوزير مراراً!
لست هنا، ممن يفضلون تسريب ما يدور خلف)الأبواب الموصدة) من نقاش وحديث المسؤول مع المسؤول، لكني وجدت حديث الوزير أشبه بمن يقرع جرس الإنذار، وينتظر من الجميع التحرك سريعاً، كما أن حديث الوزير لا يحمل تهديداً أو وعيداً، بل هو رأي مشاع، ولطالما كان محور النقاشات الصريحة، حتى إن البعض قال بعد لقاء الوزير إن ما ذهب إليه أشبه بـ )بالون اختبار(، وأنا شخصياً لا أعتقد ذلك، فالوزير يماني لم يكن في جعبته قرار يريد أن يقيس ردات الفعل، بل ترك لرجال الأعمال, خصوصاً أعضاء الغرفة حرية التحرك .
وأهمية تفعيل دور أعضاء الغرف في أداء دورهم كانت بادرة من رئيس مجلس الإدارة صالح التركي، الذي كاشف الوزير في هذه النقطة تحديداً، مشدداً على أن )بيت الأعمال) يسعى إلى أعضاء فاعلين يمسكون بجميع الملفات داخل الغرفة، يشرفون عليها ولا يتركون للموظفين فقط تحديد سياسات واتجاهات الغرف. وذهب التركي إلى أبعد حد في حديثه للوزير، بالقول: "إذا كان عدد الأعضاء الفاعلين هم 12 عضواً فقط، ربما لا يحتاج الأمر إلى أن يكون عدد الأعضاء 18 عضوا".
وأجدني أتفق تماماً مع رأي التركي الذي وافقه الوزير أيضاً على أهمية تفعيل دور جميع الأعضاء ، فمع تقديرنا لكل المديرين أو الأمناء في الغرف أياً كان منصبهم، هم أولاً وأخيراً ليسوا سوى )موظفين(، فمشاكل التجار والصناع لا يعرفها سوى تاجر وصانع, وهم الأجدى بالمواجهة مع الأطراف ذات العلاقة بمشاكلهم وحسمها.
على أن مسألة العضو الفاعل ربما تثير حساسية لدى بعض الأعضاء الذين ربما تجبرهم ظروفهم العملية على الغياب )جسدا) عن الكيانات التي يحملون عضويتها، وربما نحتاج مستقبلاً إلى تحديد أسس العضو الفاعل, مع عدم إهمال نقطة مهمة في هذا الجانب، أن عضوية مجالس إدارات الغرف التجارية الصناعية تبقى عملاً تطوعياً) داخل) مؤسسات.
ونحن في هذا الجانب كرجال أعمال وأعضاء في مجالس إدارات الغرف التجارية الصناعية في حاجة إلى مصارحة أنفسنا، صحيح أن أصوات الناخبين ستوصلنا ربما إلى مقعد العضوية، لكن لنسأل بكل شفافية، هل نحن صادقون وقادرون على الدفاع عن مصالحنا أولاً ثم مصالح الآخرين؟ هل نحن صوت القطاع الخاص حقيقة وخط دفاعه الأخير؟
سؤال آخر، لا يقل أهمية: هل سنحل المشكلات أم ننافس القطاع الخاص؟
التساؤل الأخير مهم جداً في المرحلة المقبلة، فمع تقديرنا لأصحاب أفكار المشاريع التي تنفذها الغرف التجارية الصناعية لمصلحتها بهدف )زيادة مواردها(، فهي قد حولت الغرف التجارية الصناعية إلى منافس للقطاع الخاص. ولنبدأ بمثال في ذلك، بغرفة تجارة وصناعة جدة للتدليل على انتقادنا أنفسنا، فمن مركز للتدريب مروراً بمركز المعارض إلى مدينة المستودعات، كلها مشاريع يجب أن يتولاها القطاع الخاص، ولنهتم أكثر بالقطاع الاستشاري والتوجيهي والحمائي الذي أصبح مفقوداً.
ولكي أكون أكثر صراحة، ومنذ انضمامي إلى عضوية مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة جدة وإطلاعي على شؤون الغرف التجارية الصناعية الأخرى، وما يحدث فيها من حراك وتفاعل، أصبحت أكثر تفاؤلاً، فالجميع يريد التغيير إلى الأفضل، وصانع القرار يدعمنا فلنتحرك إذن ولا نخاف من صوت المستشارين القانونيين!