يد الحكومة بمفردها .. لا تصفق!

كان مشهداً مروعاً وأنت ترى الموت يقطف بالجملة أرواحاً بريئة وأنفساً زكية وكأنه في موسم حصاد سنوي، تعالت فيه صرخات المصابين وآهات المفجوعين وصمت الموتى، فكان الأخير أبلغهم خطاباً وأفصحهم بياناً.
فما إن اشتعلت النار تحرق البراعم في جدة حتى صرخت حائل مفجوعة في بناتها وردت الصوت جازان بحادثة مماثلة.
محاسبة المقصرين مهمة بلا شك، ومواساة المصابين وذويهم خطوة ضرورية ولا ريب، لكن هذا ليس كل شيء!
فمن المهم أن تستنهض هذه الأحداث همم أصحاب القرار والمعنيين للقيام بما يحد من تكرار مثل هذه الفواجع.
وعند الحديث عن أعمال تتعلق بحياة الناس وسلامتهم فإن الناس هم أولى من يشارك في التخطيط لها وفي تنفيذها، والمتأمل للحراك المجتمعي في الفترة الأخيرة يلحظ رغبة متزايدة من قبل أفراد المجتمع بجميع شرائحه واتجاهاته للمشاركة في الحياة العامة وتحمل إيجابي لبعض المسؤوليات. خذ على سبيل المثال دور أفراد المجتمع في سيول جدة وسيول الرياض والبحث عن التائهين وحريق البراعم، فقد أبان الناس عن رغبة وقدرة على تحمل جزء من المسؤولية والوقوف بجانب الجهاز الحكومي بصورة تكاملية رائعة، ولربما كانوا هم أسرع تفاعلاً وأكثر مرونة.
هذا الحراك دليل وعي بدور الفرد في المجتمع وإدراك لمسؤوليته التي نأى السواد الأعظم من السعوديين عنها فترة من الزمن، والمنتظر أن يستثمر هذا الوعي وتلك الرغبة المتنامية وتوظف في برامج ومشاريع تمنح للمجتمع دورا أكبر في الحياة العامة وتخفف العبء على الجهاز الحكومي وتزيد من مسيرة التنمية.
لقد أدركت دول كثيرة أن يد الجهاز الحكومي على قوتها وضخامتها ليست سوى يد واحدة غير قادرة على التصفيق بمفردها فبادرت بأريحية بتشجيع المجتمع أفراداً وجماعات على تحمل المسؤولية معها والقيام بدور اليد الأخرى لتحقيق حياة أكثر رفاهية وأمناً وتماسكاً.
ولعل من الملفات الساخنة والمهمة التي فتحتها أحداث مدرسة براعم الوطن في جدة هو ملف سلامة المدارس وتوافقها مع المعايير والشروط التي تحمي حياة هذه التجمعات البريئة، وإذا ما أردنا بصدق وموضوعية عدم تكرار فواجع أخرى فإن علينا أن نقوم بتصميم وتنفيذ برامج وقائية وتأهيلية ورقابية في أقرب وقت ممكن تضمن للطالب حياة آمنة وبيئة سليمة في الفصول والمدارس. ومشروع بهذا الحجم وبهذا التنوع يعد فرصة رائعة للقائمين على الأجهزة الحكومية المعنية لإشراك المجتمع فيه من خلال تكوين هيئات مجتمعية من المختصين والراغبين في كل المحافظات والمدن. إن في خبرات المختصين وإبداع الشباب من الجنسين موارد رهيبة تنتظر من يوظفها في عمل أهلي منظم من شأنه أن يحقق رغبات متنامية لجيل واع وصاعد، ويخفف العبء على الجهاز الحكومي، ويحسّن من مستوى حياة المواطنين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي