العمل ومدارس العلاقة الوظيفية

اختلاف المدارس والنظريات الإدارية، اختلاف حميد في غالب الأحوال، وهذا الاختلاف يوجد نوعا من التحدي في الأداء والإنجاز والبناء، وكل مدرسة أو ثقافة إدارية تحاول أن تبرز أجمل ما فيها للعاملين داخلها والمتعاملين معها وربما أحيانا عكس ذلك.
إن المتأمل في مختلف المدارس والنظريات والثقافات الإدارية يكون بين ملاحظ لمدرسة بعينها من مدارس الإدارة المعترف بها أو المتعارف عليها أو ربما من خارج ذلك وربما خليط من ثقافات ومدارس إدارية مختلفة تتوافق في بعض مخرجاتها وتختلف في بعضها الآخر.
إن تقويم ومراجعة العلاقات الإدارية بين مختلف المدارس والنظريات والثقافات المطبقة في أغلب الأجهزة الحكومية أو الخاصة أو غيرها من مختلف المؤسسات يلاحظ أن هناك ثلاث ثقافات تتمحور حول أسلوب وطريقة التعامل مع المؤسسة ذاتها والمؤسسات المتعاملة معها من خارجها، وهذه الثقافات الثلاث تركز على عنصر العلاقة الوظيفية الإدارية وربما الوظيفية الشخصية لصانع القرار ضمن المؤسسة وهي الإدارة بالترهيب، والإدارة بالاحترام والإدارة بالحب، وكل نوع من هذه الإدارات له إيجابياته وسلبياته على مخرجات العمل ودوام الأداء والإنجاز والبناء.
مدرسة استعمال الترهيب أو ما يحاول أن يسميه البعض الهيبة ينطلق من قاعدة أن زرع الخوف والرهبة في نفوس العاملين هو الطريق الصحيح لإنجاز العمل وتطويره وتحقيق الولاء للمؤسسة والعاملين فيها، وحقيقة أن مدرسة الترهيب ربما تحقق الإنجاز، ولكنها بكل تأكيد لا تحقق التطوير ولا الولاء سواء للعاملين ضمن الجهاز أو المتعاملين معه على أساس أنها تركز على حقوقها ومصالحها وسمعتها دون الاهتمام بحقوق المؤسسات الأخرى ومصالحها وسمعتها، كما أنها مدرسة لا تجعل من نفسها عونا للآخرين، ولهذا يغلب على هذه المدرسة عدم الاحترام من الآخرين أو محبتهم لأصحابها وتبقى العلاقة بها علاقة وقتية تضعف وربما تنقلب عليها مع تغيير مسؤوليها.
المدرسة الثانية، هي المدرسة التي تركز على إيجاد الحب بين العاملين فيها والمتعاملين معها على أساس أن الحب يخلق المعجزات ويغيب عن أصحاب هذه المدرسة أن الحب ربما يظهر أضعف ما في الإنسان من قدرات ويجعل المحب معطاء دائما ومستغلا بشكل دائم، وهو ما لا يحقق الاحترام أو الهيبة على أساس أنه ليس كل من يحبك يحترمك أو يهابك، كما أنها مدرسة تعتمد على الأسلوب العاطفي وهو الأسلوب الأضعف ضمن مدارس الإدارة وثقافاتها والأخذ بهذا الأسلوب يضعف الإنجاز والعطاء والبناء ويدعم ويعزز ثقافة الاستغلال لأصحاب هذه المدرسة.
المدرسة الثالثة هي المدرسة التي تأخذ من ثقافة الاحترام طريقا لها وتقوم هذه المدرسة على ثقافة احترام النظام، واحترام حقوق الآخرين واحترام جهودهم ودعمها وتعزيز الشراكة بين مختلف الشركاء، كما أنها تؤكد احترام منجزات ومعوقات كل عامل معها أو متعامل معها، حيث تدفع بالإنجازات نحو التميز وتشارك في معالجة المعوقات بروح الفريق الواحد وليس بثقافة التسلط أو المراوغة.
مدرسة الاحترام تعزز أيضا أهمية تحديد المسؤوليات والواجبات ولا تجامل في تقويم الأداء وإبراز المتميزين ومحاسبة المقصرين، ولهذا فإنها تحقق احترام الآخرين، وفي الوقت نفسه تزرع الهيبة والرهبة في قلوبهم على أساس حيادية القرار وغياب المجاملات وهذا طريقها لتحقيق محبة الآخرين لها لضمانها لحقوقهم وحماية مصالحهم.
إن الأخذ بمدرسة أو ثقافة الاحترام المؤدي إلى تعزيز ثقافة المحبة والهيبة ربما يكون طريقا شاقا وأسلوبه صعبا ومضنيا على من يعمل به، ولكنه يحقق في النهاية الإنجاز والعطاء والبناء السليم، كما أنه يحقق استدامة العمل، وحسن المتابعة وتقويم الأداء بعيدا عن المجاملة بين المسؤولين أو العاملين لأنه يركز على البناء المؤسسي، والبناء المؤسسي السليم ركيزته الأولى والأساسية هي تحقيق الإنجاز دون الاعتراف بأي معوقات مهما كبرت أو صغرت. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

وقفة تأمل :
ما أصدق السيف إن لم ينضه الكذب
وأكذب السيف إن لم يصدق الغضب
بيض الصفائح أهدى حين تحملها
أيد إذا غلبت يعلو بها الغلب
وأقبح النصر.. نصر الأقوياء بلا
فهم.. سوى فهم كم باعوا.. وكم كسبوا
أدهى من الجهل علم يطمئن إلى
أنصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي