الغياب
ارتبطت مفردة الغياب بالألم والحرمان. بينما الواقع يقول ، ليس كل غياب مؤلم!!
يرى البعض بأن الأحداث والمشاعر في الحياة تتناوب بين حضور وغياب، فقد يغيب الألم ليحضر مكانه الهناء، وقد يغيب الحزن ليحل محله السرور. والعكس صحيح.
من وجهة نظري أرى أن الإنسان (ابن اللحظة) فقد يكون سعيدا ولكنه ليس خاليا من الحزن، وقد يكون غنيا ولكنه يعاني من فقر ما!! ولكن اللحظة التي يعيش بها هي التي تكون عنوانا له ولتصرفاته فيحكم عليه الآخرون من خلالها.
الإنسان مجموعة من الأحاسيس المتباينة والمتغيرة والمتنقلة.
هو مثل الكون متغير ومتحرك. تغيره يوجب تحركه، وتحركه يستلزم تغيره.
قد يختلف عن الكون بأنه ربما يجمع أكثر من إحساس في آن واحد، ولكن ما يراه اآخرون ما هو إلا إحساس وشعور اللحظة الذي يجسد على وجهه، وبالتأكيد هناك أحاسيس تنتظر دورها لترسم على ملامحهِ!!
أعي تماما بأن الغياب ليس كالفقد؟! فالغياب فيه إشارة إلى احتمالية الرجوع وربما معرفة مكان الغائب، بينما الفقد يوحي بالضياع بكل معانيه المؤلمة.
من زاوية أخرى نقول بأن الغياب مهما كان مؤلما فقد يأتي بخير.
إذا غاب القمر، فإن هذا مؤشرا لقرب شروق الشمس، إذا غاب الفرح فقد يكون ذلك دافعا ومحرضا للإبداع كي يخرج من قمقمه.
كل غياب يعقبه مجئ. فالغيابات في الحياة كالموجات؛ تذهب موجة وتأتي أخرى، قد تكون الأخرى أقل عنفوانا، وقد تكون أقوى وأجمل وأكثر تناغما مع الموجات الأخريات...
تأملت فوجدت – مثلا- أن من يكون محدود القدرة على التفكير؛ يُمنح من الله شيئا آخرا... وهكذا
كل الصفحات تُطوى وتأتي أخرى أكثر إثارة وتشويقا. نحن من نزيد هذا الأمر رسوخا، إذا اعتقدنا واعتنقنا قانون الحياة أو قانون الغياب.
الغياب والحضور أشبه بالساعة الرملية!! نمتلئ حضورا ثم تنقلب الأمور فجأة، ونضيق بالغياب فيطل الحضور بغتة!!
ولكن يبقى الحب خارجا ومارقا من قانون الحياة. يظل شعورا متمردا على كل القوانين.
الحب إن غاب عن حياتنا، أعتبره الغائب الأكبر لأن بغيابه تتعطل الحياة، ويتوقف الشعور في محطة الهموم، ونرتبك ونشعر بالضياع في دروب الحياة.
إن غاب الحب، سيختل ميزان الحياة، وسنشعر بتوتر وحذر ويقظة بشكل مستمر؛ مما يزيدنا إرهاقا وبؤسا!! وسنكون كالآلات التي لم تدهن بالزيت فتبدأ بالاحتكاك ببعضها البعض، وتصدر أصواتا دلالة على ألمها، ثم تبدأ بالتآكل والعطل!!
إن غاب الحب؛ وأعني حب الله، والوالدين والوطن والزوجة والأبناء والأحباب والعمل والعلم والذات والهوايات والجمال والحياة؛ يصبح وجودنا في الحياة كوجود سمكة ميتة في نهر ؛ لا حول لها ولا قوة، تدفعها الموجة نحو الأخرى والتي بدورها تدفعها لغيرها!! لا أحد يريدها في النهر.
بلا حب نحن أموات.
عزيزي القارئ، كن حاضرا بحبك وليس فقط بتواجدك