هل صحة المواطن رخيصة إلى هذا الحد؟
في أول أيام شهر رمضان، شكا أحد المواطنين (من موظفي الدولة) أزمة قلبية، وفي ظل صعوبة الحصول على الخدمات الحكومية التي أصبحت نوعاً من الاستجداء، ذهب إلى أحد المستوصفات الأهلية، حيث أخذوا له تحاليل وتخطيط قلب وحصلوا على الرسوم المطلوبة نقداً، وبعد نحو الساعة تبين أن لديه ذبحة قلبية حادة، وبدلاً من إعطائه العلاجات الأساسية لمثل تلك الحالات وهي الأسبرين، وموسع الشرايين والأكسجين وكذلك مادة مذيبة للجلطات طلبوا منه التوجه إلى أي من المستشفيات الحكومية المتخصصة لعلاج تلك الذبحة. من الناحية الطبية التي يعرفها حتى طلاب السنة الثالثة في كلية الطب ناهيك عن الأطباء المتخرجين والممارسين، أن مثل تلك الحالات هي من الحالات الإسعافية التي لا ينبغي فيها أي تأخير، بل يطلب من المريض أن ينام في السرير الإسعافي ولا يُتعب نفسه بأي جهد بدني أو ذهني، ويجب أن ينقل (فقط) بسيارة إسعاف مع إعطائه جميع المواد الأساسية حتى يمنع توسع رقعة الذبحة القلبية ويقلل أثرها.
فبدلاً من نقل ذلك المريض بإسعاف المستوصف إلى المستشفى الجامعي أو مدينة الملك فهد الطبية بل وحتى المستشفيات الأهلية لأنه حالة إسعافية تتكلف الدولة جميع رسومها - إن وجدت - طلب منه أن يذهب بنفسه إلى أي مستشفى متخصص قريب منه، لذا اضطر أن يذهب بسيارته الخاصة من شمال الرياض إلى المستشفى الجامعي، كما لم يتمكن من الوقوف في مكان الحالات الإسعافية، حيث اضطر أن يمشي مسافة شبه طويلة إن لم تكن قاتلة لمريض مصاب بذبحة قلبية حادة حتى يصل قسم الطوارئ، وبالطبع هناك اختلاف جذري بين استقبال الحالات في قسم الطوارئ، فعلاج شخص جاء بنفسه يأخذ إجراءات روتينية بطيئة، مقارنة بمن جاء بسيارة الإسعاف، حيث إن الحالة الأخيرة تتطلب وقوف جميع الفريق الطبي لتقييم حالته خلال دقائق. ومكث المريض أكثر من ساعة حتى يحصل على معاملة الحالات التي تتطلب التدخل السريع، كان لطف الله عليه كبيرا فقد تمكن الفريق الطبي في الإسعاف من إعطائه مذيب الجلطات ومن حسن حظه أن جراح القلب قد أخبر عن حالته، وتبين من القسطرة أن حالة المريض تحتاج عملية عاجلة للقلب المفتوح، حيث تمكن الفريق الطبي في مركز الملك فهد في المستشفى الجامعي من إجراء عملية فتح قلب وتغيير الشرايين له خلال الليلة نفسها.
هذه التصرفات غير المسؤولة لا تحصل في أية دولة يعرف فيها الطبيب المعالج أخلاقيات مهنة التطبب، بل تعد في قانون الطب جريمة يحاسب من كان سبباً فيها، سؤالي هنا: من المسؤول عن مراقبة وحماية المواطن من تلك اللا مبالاة والممارسات غير المهنية وغير الأخلاقية؟ أين وزارة الصحة التي يجب أن يكون دورها صحة المواطن سواء في القطاع العام أم الخاص؟ فهذا المريض نجا من موت شبه مؤكد لولا قدرة الله، فكم من الحالات التي ينبغي على الوزارة معرفة أسبابها ووضع أنظمة وضوابط لمنعها، حيث يُعد علم تقييم أسباب الوفيات (Mortality & Morbidity) من أهم معايير تطوير الجودة التي نسمعها في مؤسساتنا الصحية وغيرها ولا نراها على أرض الواقع.
كم أتمنى أن يكون لوزارة الصحة دور فاعل في منع تلك التصرفات غير المهنية وأن تلعب دورا أكبر في حماية المواطن.