الاستنساخ العمراني .. فلل وأحياء
إذا كان استنساخ النعجة دوللي قد أثار جدلا قبل فترة في الأوساط العلمية والدينية والفكرية في مختلف أنحاء العالم، فإن ما يجري من استنساخ معماري لأحيائنا ومساكننا لا يثير جدلا البتة. فالاستنساخ يتم منذ زمن دون ملاحقة قانونية أو تسجيل رصد إعلامي لتلك العمليات، حيث مضى عليها عقود من الزمن.
لقد تولى عملية الاستنساخ لمعظم الأحياء أناس لا دراية لهم بطب أو هندسة، فغرفة العمليات التي يتم فيها هذا الاستنساخ هي الغرفة الخلفية للمكتب العقاري، وعلى طاولة رسم جلبت من الحراج يتم استنساخ وتوليد الأحياء بصورة بدائية ودون الحاجة إلى غرف عمليات أو تخدير أو فريق يتولى الإشراف والمتابعة، بل إن أدوات العملية أسهل من ذلك بكثير، قلم رصاص وممحاة ومسطرة وورق وانتهى كل شيء وربما احتاج الأمر إلى شفاف حتى تنقل الخلية المنسوخة، كما هي وتتضاعف على أي مساحة. يمسح فيها الوادي والجبل وتزال المعالم والمنارات، وبطريقة ذكية يتم الإعلان عن ولادة مخطط جديد في الصحف المحلية ما إن العملية كانت شاقة وأشرف عليها نخبة من أساتذة التخطيط - أي النسخ.
أما استنساخ الفلة، فالعملية أسهل بكثير من استنساح الأحياء فهي تحت السيطرة حيث الحجم الصغير من الورق، فمكاتب أبو شقة تقوم بتلك العملية، ما جعل بعض المكاتب تتخصص في ذلك ويصبح لديها خبراء في النسخ لا في التصميم، حيث يمكن للفريق وعبر أجهزة متخصصة إنهاء 100 ستيكر في أقل من أسبوعين، وهي مدة قياسية في عالم الاستنساخ، دون النظر إلى الوظيفة أو الحاجة أو الموقع أو أي اعتبارات أخرى.
لكن كما حدث للنعجة دوللي أن شاخت قبل وقتها، فإن أحياءنا ومساكننا المستنسخة هي الأخرى تهرم بالصورة نفسها، حيث لا يتجاوز عمر الحي والمسكن عقدين من الزمن ثم تظهر علامات الشيخوخة فيه فيتهاوى.
إن تجاهل المعايير التخطيطية والتصميمية في عملية الاستنساخ تلك هو الذي أساء أكبر الإساءة إلى أحيائنا ومساكننا. ذلك أننا نستخسر أن ندفع أتعاب تلك العملية ثم ندفع ذلك أضعافا مضاعفة من خلال القيمة الحقيقية للمبنى عبر الزمن.
ففي كل بلدان مدن العالم يزداد العقار للأحياء والمساكن التي تنتهي وتتكامل إلا في مدننا يبدأ فيها الانهيار حالما تتكامل.
وتبدو تلك المعادلة عادلة بالنسبة لنا جراء إهمال جانب التصميم والتخطيط وما اقترفته أيادي المستنسخين، ومن رضي بالاستساخ المعماري، جزاءً وفاقا، لعملية استنساخ غير طبيعية لم تخرج من رحم العمارة والتخطيط.