تصحيح المشكلة المالية في أمريكا

مع اقتراب الانتخابات الأمريكية (بعد أقل من ستة أسابيع)، فقد حان الوقت للتفكير بجدية في الخطوات التالية في التعامل مع الفوضى المالية في البلاد. وأياً كان الفائز فإن التصدي لهذه المشكلة لم يعد بالأمر الذي يمكن تأجيله.
إن الأمريكيين يركزون بحق على ''الهاوية المالية'' التي تلوح في الأفق مع بداية عام 2013، عندما ترتفع كل المعدلات الضريبية تقريباً بموجب التشريع الحالي، فتمتص ما قد يتجاوز 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي من الأسر والشركات. فضلاً عن ذلك فإن التخفيضات التلقائية في الإنفاق الحكومي على برامج الدفاع وغيرها من البرامج ستخصم ما يقرب من 1 في المائة أخرى من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013 ونسبة مماثلة في السنوات المقبلة. ويحذر مكتب الموازنة في الكونجرس من أن السقوط في الهاوية المالية من شأنه أن يدفع الاقتصاد الأمريكي إلى ركود خطير في العام المقبل.
والهاوية المالية ليست سوى جزء من المشكلة التي يجب حلها. فالمشكلة الأكبر هي أن الولايات المتحدة تعاني من عجز مالي هائل ــ يعادل الآن نحو 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ومن المتوقع أن ينمو بسرعة في العقود المقبلة، مع تسبب الشيخوخة السكانية وتكاليف الرعاية الصحية المتواصلة الارتفاع في زيادة الإنفاق الحكومي على ''برامج الاستحقاقات'' التي يستفيد منها كبار السن من أهل الطبقة المتوسطة. وبالتالي فإن ضبط الأوضاع المالية يتطلب إيرادات إضافية فضلاً عن نمو أبطأ للإنفاق على برامج الاستحقاقات. ويتلخص التحدي الذي يواجه الساسة الأمريكيين بعد الانتخابات في التوصل إلى طريقة مقبولة سياسيا لزيادة الإيرادات من دون تقويض الحوافز والنمو الاقتصادي.
ورغم أن لا أحد يستطيع أن يجزم بالكيفية التي قد يمكن بها حل هذه المشكلة المعقدة، فإليكم أفضل تخميناتي: بعد الانتخابات مباشرة، سيصوت الكونجرس الأمريكي لتأجيل الهاوية المالية نحو ستة أشهر لإتاحة الوقت للتوصل إلى حل تشريعي مقبول. وسوف يتضمن هذا الحل إبطاء نمو استحقاقات معاشات الضمان الاجتماعي بالنسبة للمتقاعدين من أصحاب الدخول المتوسطة والمرتفعة. والواقع أن مِت رومني، المرشح الرئاسي الجمهوري، اقترح هذا صراحة، كما أشار الرئيس باراك أوباما إلى دعمه لهذا النهج في عام 2009، قبل أن يحول انتباهه إلى الرعاية الصحية.
وتكمن المشكلة الأكثر صعوبة في كيفية زيادة الإيرادات. والمفتاح إلى تحقيق هذه الغاية يتلخص في التركيز على الجوانب الخاصة العديدة من قانون الضرائب والتي تعادل الإنفاق الحكومي. فإذا اشتريت سيارة هجين، أو أقمت لوحة شمسية في منزلي، أو استخدمت سخان مياه أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، أستطيع أن أحصل على ائتمان ضريبي. وإذا اشتريت بيتاً أكبر أو زدت من حجم رهني العقاري، فإن هذا يعني حصولي على خصم أكبر يقلص من دخلي الخاضع للضريبة، ويخفض من فاتورتي الضريبية. ورغم أن الحكومة لا تعطيني مالا، فإن هذه الإعفاءات الضريبية الموجهة الخاصة لا تعني ''إنفاقاً حكوميا'' أقل من الإنفاق الذي كان ليحدث إذا أرسلت لي الحكومة شيكاً نقديا.
ويطلق على هذه المظاهر عن حق ''النفقات الضريبية''، لأنها تصف الإنفاق الحكومي الذي يتم من خلال قانون الضرائب.
وعلى هذا فإن المفتاح إلى زيادة الإيرادات يكمن في خفض النفقات الضريبية، واستخدام بعض العائدات الناتجة عن هذا لخفض المعدلات الضريبية، وتخصيص البقية لخفض العجز في المستقبل. وينبغي لمعارضي الزيادات الضريبية أن يدركوا هذا، لأن زيادة العائدات على هذا النحو تعني في واقع الأمر خفض الإنفاق الحكومي، ولا تعني ضمناً تأثيرات الحافز السلبي المترتبة على زيادة المعدلات الضريبية الهامشية.
لقد بحثت فكرة ''وضع سقف'' للفوائد التي يمكن للأفراد الحصول عليها كنسبة من إجمالي دخلهم (''إجمالي الدخل المعدل''). وتحديد السقف بمقدار 2 في المائة من إجمالي الدخل المعدل على الفوائد الإجمالية التي يمكن للفرد أن يحصل عليها من النفقات الضريبية من شأنه أن يخلف تأثيراً بالغ القوة. فهو لن يحد من كمية الخصومات والاستثناءات بما لا يتجاوز 2 في المائة من إجمالي الدخل المعدل، بل إنه بدلاً من ذلك سوف يحد من الخفض الضريبي الناتج ــ أو الفوائد الضريبية ــ الذي يحصل عليه الفرد من خلال استخدام هذه المظاهر الخاصة. فبالنسبة لشخص معدله الضريبي الهامشي 15 في المائة، فإن سقف الـ 2 في المائة من إجمالي الدخل المعدل من شأنه أن يحد من إجمالي الخصومات والاستثناءات إلى 13 في المائة من إجمالي الدخل المعدل.
إن تصحيح المشكلة المالية في أمريكا سيكون صعباً بقدر أهميته. ولكن إبطاء نمو مخصصات الضمان الاجتماعي وتحديد سقف لإجمالي النفقات الضريبية قد يعمل كإطار جيد للإصلاح المقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي