قبل أن نفقد الأمل
مؤتمر الحوار الوطني الثاني في كانون الأول (ديسمبر) 2003 كان علامة فارقة في تاريخ المملكة الحديث. وأذكر شخصيا أن مشاعر الناس ونقاشاتهم، قد تغيرت في لغتها ونوعية الهموم والمشاغل التي تدور حولها، وصراحتها في التعبير عن قضايا الشأن العام.
كان هذا الحوار فرصة للإقرار بالتحولات الجارية فينا وحوالينا. نحن ـــ مثل بقية خلق الله ـــ نتغير، وتتغير معنا أنظمة المصالح التي نحن جزء منها، ومنظومات القيم التي نبرر بها إراداتنا، والعلائق التي تتشكل في ضوء تلك الإرادات والمصالح.
الرعاية الرسمية للحوار الوطني كانت استجابة جزئية لمطالب وردت في وثيقة "رؤية لحاضر الوطن ومستقبله" التي لخصت أبرز هموم النخبة الأهلية السعودية. تلح على ذهني هذه المناسبات الوطنية الجليلة كلما قرأت الصحافة المحلية هذه الأيام. أشعر إننا في حاجة ماسة إلى حوار وطني بمستوى جديد، يتناسب مع التحولات التي شهدتها بلادنا ومحيطنا الإقليمي والعالم من حولنا خلال عقد من الزمن.
المثقفون والنخبة والطبقات الجديدة، وبينهم من شارك في الحوار الوطني، يتحدثون عن قضايا تستدعي مناقشات صريحة يشارك فيها المواطنون ورجال الدولة.
هل يلد الحوار الذي ندعو إليه حلولا لمشكلاتنا؟
أعتقد أن الحوار يمهد أرضية الحلول. فهو يوضح حدود المشكلات ويساعد على ترتيب أولوياتها. المتابعون للشأن العام يعلمون أن المشكلات التي تعرضها الصحافة ليست سوى رأس جبل الثلج. ونفهم أن النوايا الحسنة والإرادات الطيبة لدى بعض رجال الدولة، لا تكفي لحلها. ونفهم أيضا أن بعض ما نعانيه معقد ومتشابك على نحو يجعل التبشير بحلول سريعة مثيرا للارتياب أكثر مما يعزز الأمل.
المؤكد أننا لا نستطيع حل مشاكلنا دفعة واحدة. لكن الانتظار الطويل يضعنا أمام تحد أشد خطورة ، إلا وهو تحول تلك المشكلات إلى ناقض للنظام الاجتماعي. انظر إلى تعبيرات كتاب الرأي في الصحافة المحلية، وانظر إلى تعبيرات مختلف الناس في مواقع التواصل الاجتماعي. من يقرأ منطقها الضمني سيجد أنها تشير إلى اقترابنا من ذلك التحدي الخطير. المنطق الضمني في كثير من هذه الكتابات يقول: "لا أحد يهتم، لا أحد يريد، لا أحد يستطيع".
حل مشكلاتنا يبدأ بالاتفاق على حدودها وأبعادها. ولأننا لا نستطيع حلها جميعا، فلا بد من سلم أولويات مقبول. وأزعم أن لدى النخبة الأهلية الكثير من الأفكار القيمة الضرورية لتوضيح المشكلات وحلولها. في هذا الزمن لم يعد المجتمع مستعدا كي يخبره الإداريون بمشكلاته، ثم يفرضوا عليه تصوراتهم عن حلولها. هذا زمن يريد الناس أن يكونوا شركاء في تحديد مشكلاتهم واختيار حلولها.
اعتقد أن الحاجة ماسة هذا اليوم كي تبادر الحكومة بعقد دورة حوار وطني أكثر تقدما من سابقاتها، حوار يركز على تحديد أولويات القضايا التي تشغل بال السعوديين ، ومناهج العلاج التي يرونها. أتمنى أن نرى مبادرة رسمية تعيد الأمل إلى الناس بأن هناك من يهتم وأن هناك من يريد وأن هناك من يستطيع.