اجعل من «عثرتك».. نقطة انطلاق إلى النجاح

عندما سئل توماس أديسون قبل أن يتوصل إلى اختراع المصباح: كيف استطعت أن تثابر وتحاول مرات عدة دون أن تستسلم للفشل؟ أجاب: إنني لم أفشل، كل ما في الأمر أنني وجدت عشرة آلاف طريقة غير صالحة!
نحن على أعتاب نهاية العام الميلادي، حيث نستعد أفرادا ومؤسسات لحصد نتائج الأعمال التي غرسناها مطلع هذا العام. قصص كثيرة تتوازى مع النجاح والفشل نسمعها وتروى لنا طوال 52 أسبوعا. ليس عيبا أن نخطئ في العمل، لكن المصيبة أن نستمر في ارتكاب الأخطاء ذاتها كل يوم، دون أن نتعلم الدرس جيدا. وليس عارا أن نتعثر في منحى من مناحي الحياة، لكن الكارثة أن نرفع أيدينا مستسلمين للإحباط، دون أن نعيد الكرة، ونجعل ''الفشل'' وقودا لمحرك النجاح!
بنك باركليز أجرى أخيرا دراسة عنوانها ''إذا لم تحقق النجاح منذ البداية...'' If at First You Don't Succeed... ، تناولت نظرة أكثر من ألفين من الأثرياء حول العالم إلى النجاح والفشل، منهم 800 من رواد الأعمال (العصاميين)، إذ تؤكد الدراسة أن 91 في المائة من ''أثرياء'' الشرق الأوسط يتفقون على أن ''الفشل'' عامل إيجابي وأساسي لتحقيق النمو الاقتصادي، مقارنة بـ 71 في المائة من أثرياء أمريكا، و69 في المائة من أثرياء أوروبا، و80 في المائة من أثرياء آسيا، فـ ''الأثرياء'' في الشرق الأوسط ينظرون إلى النكسات الاقتصادية بإيجابية، ويظهرون قدرة أعلى للكفاح والمثابرة، ويتفاءلون بالنتائج المترتبة عن هذه النكسات.
ويتمحور التقرير، الذي أنصح المهتمين بالإدارة والتشغيل وريادة الأعمال بالاطلاع عليه، حول مدى نظرة الثقافات العربية، والآسيوية، والأوروبية، والأمريكية إلى المثابرة والتفاؤل والحظ، إضافة إلى نظرة تلك الثقافات إلى الفشل باعتباره محطة عبور نحو النجاح في المستقبل، حيث أكد 34 في المائة من المستطلعين من السعودية استفادتهم من إخفاقات الماضي، فيما يرى 74 في المائة من الأثرياء عندنا ضرورة استمرار رجال الأعمال حتى لو كانت أعمالهم تعاني الفشل، فيما اتفق 35 في المائة من إجمالي المستطلعين على أن النجاح لا يعتمد على الحظ، بل يعتمد كثيرا على المهارات والذكاء والجهد والعمل الشاق.
الجميل في التقرير أنه ينقلنا بين جوانب النجاح والفشل من منظور أصحاب الثروات (رجال ورواد الأعمال والمستثمرين) ومن منظور أصحاب المهن، حيث يرى 59 في المائة من المستطلعين أنهم تعرضوا إلى فشل مهني، فيما يشير 58 في المائة منهم إلى أنهم تعرضوا إلى فشل استثماري. ومن هذا المدخل، يلخص لنا خبراء النجاح نصائحهم التالية في مسعى للاستفادة من دروسنا في الفشل، بحيث تكون لبنات نشيد بها برجا شاهقا نحو النجاح:
- استفد من أخطائك: هذه الأخطاء قد تكون لسوء اختيارك الشخص المكلف بالعمل أو لسوء اختيارك المنتج/الخدمة التي طرحتها في السوق، قد يكون توقيت طرحك للمنتج/الخدمة، أو موقع المحل أو الأسعار، هناك خطأ ما كان بمنزلة الشرارة التي أدت إلى الفشل، تعرف عليه، وتجنب مثل هذه الأخطاء في المستقبل.
- تحمل المسؤولية: ينزع الكثير منا إلى المكابرة وإلقاء اللائمة على الآخرين أو على الظروف الخارجية لتبرير فشلنا، وبالتالي نصور أنفسنا على أننا ضحايا لمخططات الغير، عليك أن تتحمل مسؤولية فشلك، وأن تلقي باللائمة على نفسك وعلى القرارات التي اتخذتها أو التي نسيت أن تتخذها.
- انظر إلى الفشل على أنه حالة مؤقتة: اصرف عن ذهنك فكرة أن الفشل حالة دائمة، الفشل حالة مؤقتة وقعت نتيجة سوء اتخاذ قرار أو نقص موارد، إنها محطة من محطات حياتك، عش هذه التجربة المؤقتة، واجعلها ذكرى من ذكرياتك، ارمها خلف ظهرك، ولا تجعلها عقدة تعيش معك أبد الدهر.
- كن واقعيا في تطلعاتك: إذا حددت لنفسك أهدافا غير واقعية، فستبوء بالفشل عند تنفيذ خططك، اعلم أنه لا يوجد إنسان كامل، الكل منا يخطئ ويتعرض للفشل، وبالتالي، يجب أن تهيئ ذاتك مسبقا على احتمالية مصادفتك لعقبات أثناء السير، وأن الطريق قد لا يكون منسابا.
- ركز على جوانب القوة: لا تضيع وقتا في التركيز على نقاط الضعف، ركز على نقاط القوة التي تملكها، استثمر طاقتك ووقتك في تعزيز قوتك بدلا من إصلاح عيوبك، مع الوقت تجد أن عيوبك قد عولجت أثناء مرحلة تعزيز القوة.
- كرر المحاولات: مثلما فعل أديسون حين جرب عشرة آلاف طريقة لاختراع المصباح، أعد أنت الكرة، حاول مرارا في أعمالك أو استثماراتك إلى أن تصل إلى ''الوصفة السحرية'' التي تحقق لك النجاح.
- انهض من عثراتك: يقال إن الناجحين لديهم ذاكرة قصيرة تحتفظ بمشاهد الفشل وتنساها بعد ذلك. ألم السقوط موجع، لكن لا تفن حياتك في ''الأنين''، تعلم من أخطائك وتجاربك السيئة، ولا تجعلها عقبة تمنعك من النهوض ومواصلة الحياة (تعيش وتأكل غيرها).
''عظمتنا لا تكمن في مناعتنا من الوقوع، بل تكمن في قدرتنا على النهوض كلما وقعنا''، هكذا يلخصها ''كونفشيوس'' أحد رموز الحكمة البشرية.
فالعظماء لا ينتهون عند أول عثرة أو سقطة، إنما يستجمعون قواهم وينطلقون من قلب الحجر الذي تعثروا به. لذا، أتمنى أن نعلم أبناءنا في المنزل والمدرسة أن الفشل لا علاقة له بالكرامة أو العيب أو العار، مهما سمعوا من ''نعيق مثبط''، فالفشل مجرد محطة من محطات الحياة، نعبرها لنمضي إلى غيرها.
أتمنى كذلك من أكثر من 20 جهة مشتتة -ما بين حكومية وخاصة- معنية برعاية رواد الأعمال في السعودية أن تشيع ثقافة المثابرة والإصرار على تحقيق النجاح في صفوف رواد الأعمال، فكم من رائد أعمال بدأ متحمسا في السوق واندثر بعد أول هزة تعرض لها.
فأنتم تعلمون أنه منذ عهد ''كونفشيوس'' إلى زمن ''باركليز''.. لا يوجد كائن من كان يؤكد لكم وجود شيء اسمه ''حظ''.. حياتنا محصلة للجهود التي نبذلها والقرارات التي نتخذها.. أعيدوا النظر إلى النجاح والفشل.. عندئذ ستنهضون كالعنقاء من كومة الرماد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي