رحلتي مع الاقتصادية !
من ألف ومائة وسبعين يوماً، أي قبل ثلاث سنوات وربع، بدأت الكتابة بالاقتصادية الالكترونية بزاوية المقال، وكان أول مقال لي بعنوان «قرار المستهلك وتلجيم الأسعار»، وكانت المفاجأة أن حصل المقال على عدد كبير من القراءات عبر قراء الجريدة، كما تم التعليق عليه بتسع تعليقات، وهو ما أثلج صدري كونها أول مشاركة وتحظى بهذا الاهتمام، الأمر الذي شجعني على إرسال المقال تلو الآخر، وفي كل مرة كنت أظفر بمداخلات جديدة وعبقرية من كتاب بالجريدة ومن قراء نابهين، حتى وصل عدد التعليقات على مقالي «فأحِبوه.. نجيب الزامل نموذجاً» إلى ما يزيد عن السبعين تعليقاً، في مشهد لم أكن أتصور أن يحدث في جريدة بها كتاب كبار قد استحوذوا على اهتمام القارئ اللبيب، وهنا أدركت أنني أتعامل مع عقليات تتعامل مع الكلمة بعين مجردة بعيداً عن شهرة من كتبها مما كان أكبر الأثر في ارتباطي بأولئك الذين أضاءوا مؤخرة مقالاتي بمصابيح كلماتهم النقية، ومن ثم بتلك الجريدة التي شممت فيها رائحة المصداقية والحياد والشفافية، والترسيخ لمفهوم الكلمة العابرة للحدود ما دامت هادئة هادفة، متسقة مع سياسة الجريدة في إبراز الوجه المشرق للإعلام الهادف النزيه.
أحببتُ الكتابة لهذا الصرح الصحفي، فأرسلت ثلاثة مقالات وربما أكثر في الأسبوع، وكنت أنتظر في لهفة أن يظهر مقالي على وجه الصحيفة لتبدأ رحلة التفاعل الممتعة مع قراء الصحيفة النابهين أمثال «فهد محب نجيب الزامل، م. فهد العتيبي، ونوال المطلق، وبنت الدمام، وبنت الخبر، والزعيم بلقااااسم، وضوء القمر، ومحمود الأول، والدهمشي، وظافر السبيعي، والكشكول، وفرح الدمام، وغيرهم الكثير» ممن كانوا أكثر من مجرد قراء، بل كانوا ممن يتذوقون الحرف فيدركون لُبَّه قبل قدِّه، وكانوا في مواطن كثيرة أكثر ذكاء وثقافة ممن كتب المقال، ولذلك اتسع إدراكي بوجودهم، وتعمق فهمي بمداخلاتهم، وتنوعت معارفي بثرائهم، وتجملت لغتي بحروفهم، وتنوعت موضوعاتي بنصائحهم، وتهندَّمت مقالاتي برسائلهم، ذلك لأن رباطاً من محبة شفافة قد رطبتي بهم، رغم أنني لم ألتقي بأحد منهم عياناً في يوم ما، وهو الأمر الذي جعل تلك المحبة أكثر صدقاً لأنها لم تُعلق على شيء من منافع الدنيا.
وحين انتقلت بعض مقالاتي إلى النسخة الورقية انهالت على رسائل التهنئة من أولئك الأصدقاء النادرين، فشعرت بأن الله أراد بي الخير حين قذفني بين هذه القلوب الصادقة، ولم أشعر في لحظة بأنني أجنبي يكتب في صحيفة سعودية كوني مصرياً، ولكني شعرت بأنني من أهل الدار، وتأكد ذلك بمعاملة راقية من كتاب كبار بالصحيفة ومن قائمين على أمرها، لن أذكرهم هنا كوني أعلم أنهم لا يحبون ذلك.. واستمرت الرحلة الممتعة حتى عصفت بمصرنا الأحداث الجديدة، فتوقفت عن الكتابة لعدة شهور، نظراً لحالة الارتباك التي حالت دون صدور حرف متزن هادئ.
وفي يوم جاءتني رسالة من عزيز إلى قلبي يقول انتظر منك مقالاً في الصحيفة قريباً، وكأنه قد ألقاني ساعتها في نهر عذب لأسقط عن عقلي وقلمي ما علق به من أدران في أيام التوقف والترقب.. أسرعت إلى حاسوبي وفتحت صفحة جديدة من برنامج معالجة النصوص وشرعت في كتابة مقال لأعاود به الرحلة الشيقة على صفحات الاقتصادية الشامخة، لكني وجدت كثيراً من الأصدقاء القراء الكرماء قد ذهبوا، ولم تعد تشهد أروقة المقالات حضورهم المتألق المشرق، والذنب بالقطع ليس ذنبهم ولكن ذنب من تركهم وانسل من بينهم في أمتع محطات رحلة التفاعل هنا.
أعتذر لكل قارئ كريم أكرمني بقراءة أو تعليق أو مرور، ثم تركته بلا استئذان ولا تنبيه، ولكن كان الظرف أكبر من القدرة على تذكر ما يجب أن يكون.. آمل أن تعودوا من جديد لأن الأفكار قد تيبست وتحتاج مجدداً إلى إكسيركم الجميل، ولا تنزعجوا أن زاوية المقال قد تغير اسمها إلى تدوينات الاقتصادية الالكترونية رغم أن المسمى الجديد أقل من سابقه، فلا زال الركن قادراً على إنجاب الأفكار بدعمكم ومساعدتكم.