عاطلون على رأس العمل!
أتساءل دائما: ما المتعة التي يجدها ''بعض'' الموظفين في ترك أعمالهم والانشغال بأمور لا علاقة لها بصميم العمل كالثرثرة أو تصفح الإنترنت؟ المصيبة أنهم أحيانا يشغلون غيرهم من الموظفين المتميزين. أفلا يجدر بالموظف غير المنتج أن يستغل وقته لما فيه مصلحة العمل، فينجز مهامه وفق المطلوب؟
ربما نسميهم ''عاطلين على رأس العمل'' أو ''تنابلة المكاتب'' أو ''الطحالب'' أو ''ناقلي الحكي''، لكن مهما اختلفنا في وصفهم، هم في النهاية ''موظفون غير منتجين''، لا يضيفون أي قيمة لأنفسهم أو للمؤسسات التي يعملون فيها، لا هم لهم سوى إضاعة الوقت بالنميمة والغيبة والقيل والقال وترويج الشائعات، ولا تخلو منهم المؤسسات العامة أو الخاصة، فإذا كلفوا بعمل قلما ينجزونه في الوقت المحدد أو بالجودة المطلوبة، تجدهم يكثرون من الأعذار - مثل قلة الدعم أو الموارد - تهربا من إنجاز العمل، ويشيرون بأصابع اللوم إلى زملائهم الذين عرقلوا جهودهم (غير المبذولة)، متوهمين أنهم متفوقون زيفا على غيرهم، وأنهم الأجدر بالمناصب والمزايا، وهم أبعد منالا من ذلك!
وقد عزا رجل الأعمال السعودي الشيخ سليمان الراجحي، في حفل لتكريم قدامى الموظفين في إحدى شركاته، ظاهرة الموظفين غير المنتجين إلى ثلاثة أسباب: التربية، جهة العمل، والموظف نفسه. ففي المنزل حيث يفترض تربية النشء، يكبر دون أن ينشأ على قيم الاعتماد على النفس، واحترام ثقافة العمل والوقت، وفي جهة العمل نجد أن الموظف غير المنتج يعاني الإهمال ويفتقد من إدارته المتابعة والتوجيه، أما الموظف نفسه فهو غالبا ما يعاني خللا نفسيا أو اجتماعيا يدفعه إلى الانتقام من مديره أو مؤسسته بتضييع الوقت وعدم الإنتاجية أو بتقديم القليل من جانبه وتوقع الكثير من جانب المدير أو المؤسسة!
ولعلي أضيف سببا رابعا للأسباب الثلاثة التي ذكرها الشيخ سليمان الراجحي، ويكمن في التعليم (أو المدرسة)، فمنظومتنا التعليمية – مع الأسف - لا تنمي في الطالب مهارات التفكير والتنافس والعمل الجماعي وإدارة المشروعات واستغلال الوقت، فهي ما زالت تركز على الحفظ والترديد والتلقين، وفي المحصلة تكون مخرجات التعليم ''جيلا تائها وهشا'' إلا من رحم ربي.
غير أن عدم إنتاجية الموظف لا علاقة لها بعمره أو تأهيله العلمي أو المهني أو نشاطه البدني، فقد أثبت العلماء – على سبيل المثال - عندما درسوا خطوط الإنتاج في مصانع ''مرسيدس بنز'' في جنوب ألمانيا أن العمال المسنين أكثر إنتاجية وعطاء من نظرائهم الشباب، رغم أن المجموعة الأخيرة أكثر قوة وتأهيلا، وهذا يعود إلى أن العمال الشباب أكثر شعورا بالملل، وبالتالي أقل عطاء وإنتاجية!
ظاهرة الموظف غير المنتج تنتشر في القطاع العام أكثر منها في القطاع الخاص، وتشيع بين النساء أكثر من الرجال. الموظف غير المنتج موظف سريع الملل من عمله، كثير الشكوى من محيطه، ويشكل عبئا كبيرا على مديره، لأنه يتطلب منه متابعة وتحفيزا على الدوام، لأن هذا الموظف يفشل دائما في إدارة المشروعات التي تسند إليه، ولا يستطيع تحقيق الأهداف متوسطة وبعيدة المدى.
الموظفون غير المنتجين لهم ''مقر عمليات'' يجتمعون فيه لتبادل النميمة والشائعات والنيل من زملائهم المتميزين، فالأمريكيون يعتبرون أن ''ركن تحضير القهوة'' أو ''ركن برادة المياه'' مقرا لعمليات الموظفين غير المنتجين، بل هو منبع الشائعات، حيث يتحلق الموظفون بذريعة الشرب، متوارين عن أنظار مديريهم، متلهفين لتبادل الحديث السلبي وتداول الشائعات، وبث الطاقة السلبية التي تسري شحناتها في أرجاء المؤسسة كافة.
أما العرب – الذين يسمحون بالتدخين في أماكن مغلقة - فنجد أن ''غرفة التدخين'' هي أخطر بقعة في المؤسسة، حيث يجتمع فيها الموظفون غير المنتجين الذين يسعون إلى إضاعة الوقت بترويج الشائعات التي تشعرهم بأهمية دورهم وحصولهم على معلومات حصرية يظنون أنها لا تتوافر عند الآخرين!
ما الحل؟ هل نمنع برادات المياه من مكاتبنا؟ أم نمنع التدخين؟
من وجهة نظري، أننا نتعامل مع الموظفين غير المنتجين بخيارات عدة بدءا من النصح والتوجيه والمتابعة وانتهاء بتطهير المؤسسة من أمثالهم، وهناك وسائل عدة يمكن من خلالها تعديل سلوكيات هؤلاء الموظفين ومحاولة رفع إنتاجيتهم، منها:
- تحديد أهداف متوسطة وطويلة المدى للموظف غير المنتج، مع إخضاعه للتقييم المستمر عن طريق ''الإدارة بالأهداف'' أو التقييم الشامل ''360 درجة'' (الموظف غير المنتج يكره التقييم المستمر!)، على أن تحتوي عناصر التقييم على إنجاز العمل في موعده المحدد، وبالجودة المطلوبة، وغيرهما، لا أن يتم التركيز فقط على عنصر الحضور والانصراف.
- تكثيف متابعة الموظف غير المنتج وإبراز عنصري الثواب والعقاب أمامه مع توثيق أعماله أو أي حالات تقصير أو إهمال يبديها، فالموظف غير المنتج لا يحب أن يتتبعه أحد أو يراقبه أو يتابعه على أدائه ويفضل أن تكون الأمور مائعة، كي يسرح ويمرح كيفما يريد.
- ربط تجديد عقد الموظف بتقييم الأداء، ليس في القطاع الخاص فحسب، بل في القطاع العام، وهنا نقترح أن يتم تعديل نظام الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية، بحيث يتم تعيين الموظفين الحكوميين على وظائف المرتبة الثالثة عشرة فما دون، بموجب عقود عمل قابلة للتجديد، مع تغيير المادة (30 – الفقرة ح) من النظام، وتخفيض صلاحية الفصل - إنهاء الخدمات - من مجلس الوزراء إلى الوزير المختص، بحيث تتمكن الجهات الحكومية من التخلص من الموظفين المتقاعسين و''المتكلسين''، وتفتح المجال أمام توظيف الشباب والفتيات الراغبين في العمل.
ستقرأ هذه السطور وسترد في ذهنك أسماء لموظفين غير منتجين في جهة عملك، إذا بدأ أحد منهم يزعجك بثرثرته أو حاول إشغالك بأمور تافهة فلا تجامله على حساب عملك، فالمجاملة لا تجدي مع أمثالهم، لست مضطرا إلى سماع الترهات التي يتفوهون بها، لا تتحرج وقل لهم بكل صراحة ''ليس لديّ وقت لطق الحنك!''.