حنفية الاستقدام العشوائي !!
قرأتُ مقالاتٍ ورؤىً كثيرة عن العمالة الوافدة إلى المملكة العربية السعودية ومدى تأثيراتها السلبية على الاقتصاد السعودي، حتى قيل بأن العمالة الوافدة تسيطر على «90%» من النشاط التجاري السعودي، وهو رقمٌ مزعجٌ إنْ كان صحيحاً ولو كانت كل العمالة الوافدة تؤدي أعمالاً حقيقية، لا وهمية أو هامشية!، ذلك لأن ناتج هذا الرقم لا ينعكس بالسلب فقط على الاقتصاد، ولكن يُعطلُ خطط التوظيف ويكرِّس للبطالة.
الحقيقة، ليس الذنب ذنب العمالة الوافدة التي تبحث عن دخل ولقمة عيش، والتي تضطر في أحايين كثيرة إلى الاستدانة من أجل دفع ثمن «ﭭيزة العمل»، بعد أن تحولت إلى تجارة قائمة بذاتها بين صاحب المنشأة الذي قد يكون بلا منشأة من الأصل، وبين مكاتب السياحة التي تتولى مص دماء الخلق وهي تلوح لهم بفرص عمل نادرة بمرتبات مغرية، لا يتقاضى العامل نصفها حقيقة حينما يصل، بل ربما لا يجد منشأة من الأصل ليعمل فيها، وإنما جاء به كفيله ليُطلقه في سوق العمل ليربح من ورائه للمرة الثانية.. هذه صورة مؤسفة يتحمل وزرها من خدع وزارة العمل بمشروع وهمي لاستخراج عدد من التأشيرات للتجارة فيها لا أكثر.
إنّ رأبَ الثقوب التي يتسلل منها أرباب الأعمال الخاصة فيما يسمى بالقطاع غير الرسمي بات ضرورة اقتصادية لغلق حنفية الاستقدام العشوائي الذي تتضاعف أضراره على منافعه إذا نُظرَ إلى المسألة من ناحية اقتصادية بحتة، بحيث باتت الغرامات أو فرض زيادات مالية على أصحاب الأعمال أو العمالة الوافدة غير كافية لتقنين عملية الاستقدام، ذلك لأن الربح الشخصي يتجاوز مبالغ الغرامات بمراحل، وهو أمر - أرى- أنه يتطلب تشريع لا محل فيه للاستثناءات لضبط إيقاع العمل بالقطاع الخاص بما يتسق مع المصلحة الاقتصادية للوطن وبما لا يَحُدُ من فرص العمل أمام أهل البلد لأنهم أولى وأحق.
على الجانب الآخر من المعادلة لابد من إقناع الشباب السعودي المُقبل على العمل بالمستجدات التي طرأت على سوق العمل بالمملكة، بما يؤسس لقبولهم بأعمال كثيرة ظلت حكراً على العمالة الوافدة نظراً لقسوتها أو لانخفاض رواتبها أو لامتهانها اجتماعياً، لأن الانتقاء لم يعد متاحاً كما كان في السابق، أو بالأحرى إنَّ الاقتصاديات الحديثة لم تعد تحتاج كثيراً إلى العمل المكتبي، ولكن تحتاج وبشدة إلى العمل الميداني، وهو الأمر الذي يتطلب تهيئة نفسية وفكرية لتقبل إملاءات الواقع الاقتصادي الجديد.
والقضية على هذا النحو تحتاج إلى تدرج مدروس في عملية إحلال العمالة السعودية محل العمالة الوافدة ضمن خطة توطين أو سعودة الوظائف، حتى لا تُحلُّ مشكلة بمجموعة مشكلات ستتبدى في وقف المشاريع والحد من انجازها، وهي تلك المشاريع التي تنفذها الشركات والمؤسسات في مرافق القطاع العام أو في مجالات المقاولات والصناعة وغيرها، وهي التي تستحوذ على نسب عالية من العمالة الوافدة.
بقيت ثغرة جديرة بالذكر لتدفق العمالة الوافدة ويمكن سدَّها فوراً ولا تحتاج إلى تدرج، وهي المتمثلة في استقدام الخادمات والمرافقات، وما نجم عنها من كوارث جلية وخفية على المجتمع السعودي، علاوة على ما تشكله من عبء اقتصادي لا مبرر له ولا فائدة تُرجي من ورائه.
تقول المؤشرات الاقتصادية بأن السعودية تحتل أعلى قائمة الدول المُرسلة للتحويلات في العالم، وهو ما يشكل أحد العوامل الخطيرة لاستنزاف العملات الأجنبية، وبذا بات من الأهمية بمكان السيطرة على سوق العمل بالقطاع الخاص أو الأهلي عبر آليات اقتصادية ومالية مُتقنة، وأعتقد أن السعودية تمضي في هذا الطريق.