نسخة طبق الأصل
الجميع يعلم أننا في السعودية نعشق التقليد في التجارة، ولا أقصد هنا السلع المقلدة، بل تقليد النشاطات المربحة، فما أن يفتتح نشاط تجاري أعماله وينجح حتى ترى نسخا طبق الأصل منه تنتشر في أرجاء مدينة الرياض بطريقة عجيبة، وما يميزه عن الآخرين اسم مميز رنان، ولا أدري إن كان هذا السلوك محمودا فأنا ممن يرون أن ذلك وإن تم يجب أن تكون له ضوابط تنعكس إيجابيا على المستهلك، مثل أن يتميز كل منافس بميزة خاصة عن الآخرين تجعل المستهلك يلمس ذلك الاختلاف فيتمتع بسلع وخدمات الجميع بطرق مختلفة، المشكلة لدينا أن كل من هب ودب يدخل في ذلك النشاط فيختلط الصالح بالطالح ويبدو الأمر مزعجا للغاية، لأنك لا تستطيع أن تفرق بينها إلا من خلال التجربة والخطأ.
هذا الأمر ليس مستحدثا فلو أخذنا مثلا محطات البنزين ستجد أننا ومنذ سنين بعيدة نرى محطات البنزين وبداخلها بقالة تنتشر بجانبها المناقل والمستلزمات البرية، وهناك بنغالي ينتظرك لكي يملأ لك الوقود بكل أدب، وهذه مشكلة أخرى فنحن قد أدمنا الكسل حتى في محطات البنزين، المفرح بالأمر أننا بدأنا نرى محطات بنزين على مستوى راق تنتشر في مدينة الرياض أرجو أن تصيب الآخرين العدوى فهي منظمة وأنيقة وحضارية للغاية.
أما لو أخذنا مثالا آخر على نظرية النسخ طبق الأصل فإنني ما أزال أذكر افتتاح أول مطعم مثلوثة كفاست فود ثم انتشرت نسخ طبق الأصل منه في كل أنحاء مدينة الرياض كما هي عادتنا دائما، وكالعادة لا يحاول من يفتح مطعما جديدا أن يميزه بنكهته الخاصة لكي يتميز بها عن الآخرين، والغريب أنه ينجح ويحقق أرباحا طائلة ولا أعرف لماذا؟ في الغرب لا تنجح بهذه السهولة وقد يكون ذلك أقصد نجاح الأنشطة عندنا يعود إلى تعطش المجتمع إلى نشاطات جديدة بحكم أننا لم نصل بعد إلى مستوى متقدم من تلبية رغبات المجتمع كما هو الحال في الغرب.
ولو أردت مثالا آخر على انتشار النسخ طبق الأصل ستجد أن المولات قد انتشرت لدينا بشكل واسع ولم نغير عاداتنا، جميعها تقريبا نسخة طبق الأصل، وعلى الرغم من وجود اختلافات في بعضها إلا أن تلك الاختلافات لا تشعرك بطعم مختلف كما هو الحال بمولات دبي مثلا، ففي دبي عندما تقضي كل يوم بمول مختلف تشعر بطعم لذيذ مختلف، وتعلم أنك في مكان مختلف له نكهته الخاصة التي لا يشاركه بها أحد، ولا أدري السر من وراء ذلك فأنا أشعر باختلاف ما في مولاتنا ولكن تلك الاختلافات لا تجعلني أشعر بطعم لذيذ مختلف، المشكلة عندنا أن المحال التجارية التي تجدها بالمولات قد تخصصت بالمولات وأصبحت تنتشر في المولات فقط وبالتالي ستجدها عندما تدخل أي مول، أما المطاعم فسوف تجد تقريبا نفس المطاعم في كل المولات وإن كان هناك اختلاف فهو محدود أما أماكن ترفيه الأطفال فتجد اختلافا بأشكال الألعاب لكنها في النهاية تشابه بعضها البعض بالوظائف أما ألعاب المشين فهي نفس الألعاب مكررة لدى الجميع.
ولو نظرنا إلى الأنشطة التجارية الأخرى سنجد نفس الأمر يتكرر وتجد النسخ طبق الأصل تنتشر في كل مكان، السباكون ومحال الكهرباء ومحال الحلاقة كلها نسخ طبق الأصل.
الجميع يعلم ما تواجهه شركات المقاولات من صعوبات في ضبط العمالة لديها فلا تستطيع شركة المقاولات التنبؤ بحاجتها من العمالة لأن ذلك يعتمد على ما تحصل عليه من مشاريع، فلماذا لا تقوم تلك الشركات بافتتاح فروع صغيرة بالأحياء لخدمات الصيانة والتصليح فيما يخص السباكة والكهرباء فيكونون بزي موحد وبلائحة أسعار واضحة وتكون منظمة وأنيقة، ويعملون على انتشار ثقافة الصيانة الدورية للمنازل؟ وبالتأكيد سيحل هذا الموضوع مشكلة العمالة لديها حيث تستطيع أن تسحبهم من الفروع عند الحاجة وذلك على افتراض أنها تترك في الفروع بالأوقات العادية عددا أكبر من الحاجة الفعلية لعدم تضرر الفرع من جراء سحب العمالة منه سواء للعمل بالمشاريع أو للتمتع بالإجازات، وذلك سوف يكون بديلا رائعا للوضع الحالي حيث تنتشر محال الأدوات الكهربائية وبداخلها سباكون وكهربائيون يقدمون خدماتهم وفق آلية تفاوض تشبه تلك الآلية الموجودة في الأحياء الصينية.