التلوث في «مهد الذهب» .. وما من مجيب!

كانت لي في رحلة الدراسات والأبحاث العلمية عن المخاطر الصحية الناتجة من الملوثات البيئية في المملكة ''وقفة'' مع تطلعات ومعاناة أبناء الوطن في محافظة مهد الذهب التابعة إداريا لمحافظة المدينة المنورة من توافر مشاريع التعدين والمناجم في محيطها الجغرافي، حيث تعتبر من أكثر مناطق المملكه تأثرا بمخاطر التلوث البيئي والصحي بعد أن خلصت الدراسات التي قام بها بعض الجهات البحثية مثل جامعة ميموريال الكندية ومركز الأبحاث في جامعة الملك سعود على أن المهد من أشد مناطق المملكة تلوثا بالعناصر الثقيلة مثل الكادميوم والنحاس والرصاص والزنك والزئبق، كما أن نسب التلوث فيها أعلى من جميع المقاييس العالمية.
المتابع لنهج وتشريع الأنظمة واللوائح الرسمية في المملكه في مجال التعدين والمحافظة على البيئة ومتابعة توافر الصحة للمواطن، يلاحظ أن مصادر التلوث البيئي والمخاطر الصحية في المنطقة تعود بشكل مباشر إلى جملة من المحاور تدور في فلك: (اشتراطات، معايير ومقاييس علمية، متابعة وملاحظة وتقييم مهني، وتفاعل ومسؤوليه اجتماعية) تفاوت التقصير فيها بين بعض المنظومات الحكومية ذات العلاقة بهذا الخصوص مثل الشركة العربية للمعادن (معادن)، وهي الشركة المشغلة للمشروع، وزارة البترول والثروة المعدنية، الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، ووزارة الصحة، بينما تناغم في الدراسات والتقارير العلمية الموثقة واقع الحال المأسوف عليه للمخاطر البيئية والصحية الموثقة على سكان هذه المنطقة.
تشير بعض القراءات العلمية من واقع الدراسات ومتابعة المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية ومقارنتها بالنتائج العلمية الرسمية في المراكز الحكومية المتخصصة إلى ارتفاع نسبة الإصابة بمرض الفشل الكلوي في مهد الذهب إلى 1038 مصابا لكل مليون عن المعدل التقريبي للإصابة في المملكة وهو 475، كما يلاحظ كذلك ارتفاع نسبة الإصابة بمرض السرطان، وارتفاع نسبة الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والحساسية في المنطقة.
ولكن .. أن نسمع عن تأجيل القضية المرفوعة من سكان محافظة مهد الذهب بهدف التخفيف من معاناتهم 17 مرة من قبل المحكمة الإدارية في جدة، والسبب يعود إلى المماطلة والتأخر في التفاعل أو الرد وكذلك التباين في تبادل التهم والأدوار والسلبية من قبل بعض هذه المنظومات الحكومية المسؤولة .. فهذا أقل ما يقال عنه إنه لا يخدم القضية، فعلى سبيل المثال: (وزارة البترول والثروة المعدنية تأخرت في تقديم تقريرها للمحكمة، وكذلك تلقي اللوم على أمانة المنطقة في استحداث المخططات السكنية بالقرب من المنجم، بينما الشركة العربية للمعادن (معادن) لم تلتزم بالمعايير والمقاييس البيئية المنصوص عليها في نظام البيئة السعودي، كما أن الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة تقول إن مهمتها ''رقابية'' فقط .. وهي ليست ''متخصصة'' في تحديد التلوث، مع العلم أنها كجهة رقابية يفترض عليها على الأقل الفحص والتفاعل مع هذه الدراسات العلمية (ثماني دراسات)، وكذلك الاطلاع على التقارير الدورية للمراقبة البيئية التي تقوم بها الشركة المشغلة للمنجم ومن ثم إعطاء تقرير يشرح وجود تلوث بيئي في المنطقة من عدمه .. كما لوحظ كذلك تغيب بعض الأعضاء عن جلسات بعض اللجان المشكلة في هذا الخصوص، التي كان آخرها اللجنة التي شكلت بعضوية 16 عضوا في اجتماعها منذ ما يقارب سبعة أشهر، مع الأخذ في الاعتبار التوجيه والدعوة من قبل أمير محافظة المدينة المنورة وكذلك مجلس الشورى للشركة المشغلة (معادن) ورئاسة البيئة بالتفاعل والتدخل المباشر لإنهاء مخاطر التلوث البيئي.
يطرح وينقل الباحثون والمختصون - على لسان حال المواطنين في محافظة مهد الذهب - بعض شجون وتداعيات هذه القضية التي تأخرت وتعطلت معها بوصلة الحلول: كيف يمكن لنا أن نستشرف وبمنطق حسن النية والتفاؤل ''تناغم'' طبيعة المهام والمسؤوليات المنوطة ببعض هذه القطاعات الحكومية المسؤولة عن التلوث البيئي بما في ذلك ''المسؤولية الاجتماعية'' عند مقارنة وملاحظة ''التباين'' في واقع الحلول وتسارع ردة الفعل والمبادرة المهنية والعملية لحماية السكان والمنطقة من المخاطر البيئية والصحية لهذه الملوثات، لماذا لم يتم تنفيذ القرار الصادر بإغلاق ''المردم '' الحالي في عام 1432 هجري واستبداله بمردم جديد بعيد عن السكان كما نص على ذلك نظام البيئة في المملكه؟ هل ستتم متابعة علاج المتضررين من المخاطر الصحية للتلوث البيئي المتمثلة في ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض ''الفشل الكلوي، الربو، التهابات الجهاز التنفسي، السرطان في المستشفيات والمراكز الصحية في المنطقة وتعويضهم عن هذه المعاناة؟ هل ستخدم سلبية تناول الحلول والإشراف والمتابعة في هذه القضية ''المواطن'' مستقبلا من خلال مراجعة الآلية العملية والإمكانات المهنية والتقنية والعلمية المتوافرة لبعض هذه المنظومات بما يتزامن مع تهيئة وخدمة مشاريع التنمية الشاملة والاستدامة البيئية التي يقف منها المجتمع موقف المستفيد للمخرجات ومن ثم خدمة المصلحة العامة بدلا عن اللجان؟ وأخيرا هل نقبل بمحاولة ''تجاهل'' دور بعض الباحثين والأكاديميين من أبناء الوطن المسؤولين عن التشخيص البحثي وتقديم الحلول العملية في هذا الخصوص؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي