كليات إدارة الأعمال السعودية .. لم ينجح أحد

سعت دراسة صدرت أخيرا إلى تشخيص الوضع الحالي في البرامج الأكاديمية في مجالات المحاسبة، والمالية، والاقتصاد، والقانون في الجامعات السعودية ذات العلاقة بأنشطة القطاع الاستثماري. صدرت الدراسة بعنوان ''تقويم الوضع الحالي للبرامج الأكاديمية ذات العلاقة بنشاطات السوق المالية ووضع آلية لتصميم وتطوير تلك البرامج''. وتمت الدراسة بتمويل من هيئة السوق المالية لمعرفة المعارف العلمية اللازم توافرها في خريجي تلك البرامج العلمية لتؤهلهم للعمل في قطاع الاستثمار بشكل عام، وفي مجالات الجهات الخاضعة لإشراف هيئة السوق المالية، بشكل خاص.
هدفت الدراسة إلى معرفة واقع البرامج العلمية الأربعة (المحاسبة، والمالية، والاقتصاد، والقانون) في المؤسسات الأكاديمية السعودية للوقوف على ما فيها من قصور يحد من إكساب الخريجين المعارف العلمية اللازمة لتلبية احتياجات العمل في المجالات المرتبطة بالسوق المالية، وعلى الأخص، نشاطات الوساطة، والتحليل المالي، والمشورة المالية، والترتيب المالي، وإدارة الأصول، وكذلك الإشراف والرقابة على السوق المالية.
توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج المرتبطة بواقع البرامج العلمية الأربعة في الجامعات السعودية وإمكانات خريجي هذه البرامج التي من الجدير مدارستها من منظور مستقبل الكوادر الوطنية التي نعّول عليها معالجة الخلل الوظيفي في سوق العمل السعودية وتولي زمام تنفيذ برامج تنميتنا المستدامة في القطاعات الإنتاجية غداً. وقبيل النظر في النتائج فإنه من الأهمية التعرف على إحصاءات البرامج الأكاديمية القائمة في مجالات المحاسبة، والمالية، والاقتصاد، والقانون في الجامعات السعودية.
حيث تزخر جامعاتنا السعودية، البالغة 49 مؤسسة تعليم عال موزعة بين 24 مؤسسة حكومية و26 مؤسسة خاصة، بما إجماليه 64 برنامجا أكاديميا يمنح درجة البكالوريوس في تخصص المحاسبة (27 برنامجا)، والمالية (20 برنامجا)، والاقتصاد (7 برامج)، والقانون (10 برامج). كما يبلغ معدل إجمالي الساعات المطلوب من الطالب إكمالها للحصول على درجة البكالوريوس 131 ساعة لبرامج المحاسبة، و130 ساعة لبرامج المالية، و139 ساعة لبرامج الاقتصاد، و131 ساعة لبرامج القانون. ويتباين معدل نسبة عدد ساعات التخصص إلى معدل إجمالي الساعات المطلوب من الطالب إكمالها للحصول على درجة البكالوريوس في هذه البرامج بوجود 31 في المائة للمحاسبة، و22 في المائة للمالية، و40 في المائة للاقتصاد، و74 في المائة للقانون.
من أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة وجود قصور عام في البرامج العلمية الأربعة فيما يتعلق بالمقررات التي تفي بمتطلبات العمل في القطاع الاستثماري المرتبطة بنشاطات السوق المالية. ومن هذه المقررات على سبيل المثال في برامج المحاسبة، مقررات تحليل التقارير المالية، ومحاسبة المنشآت المالية، والمراجعة الداخلية، وفي برامج المالية، مقررات الأسواق والمؤسسات المالية، والمشتقات المالية، وإدارة المخاطر، وفي برامج الاقتصاد، مقررات الاقتصاد السعودي، والاقتصاد القياسي، واقتصاديات الأسواق المالية، وفي برامج القانون مقررات أنظمة ولوائح السوق المالية السعودية.
كما توصلت الدراسة إلى وجود قصور عام في المواضيع العلمية للمقررات العلمية التي تقدمها البرامج الأربعة أعلاه. ومن أهم هذه المواضيع المفقودة على سبيل المثال في برامج المحاسبة المواضيع المرتبطة بجودة المعلومات، والشفافية والإفصاح، والخدمات المهنية المقدمة من المراجع الخارجي. وفي برامج المالية المواضيع المرتبطة بإعادة هيكل التمويل، والتحليل الفني للأسعار والمؤشرات، واستراتيجيات التداول. وفي برامج الاقتصاد المواضيع المرتبطة بسلوك المستهلك وتعظيم المنفعة، وطبيعة المنافسة وهيكل السوق، وفاعلية السياسة المالية والسياسة النقدية. وفي برامج القانون المواضيع المرتبطة بالقواعد القانونية المنظمة لأنشطة الأشخاص المرخص لهم، وللإفصاح والشفافية، ولجرائم الاحتيال والتداول.
خلصت الدراسة إلى تقديم عشر توصيات رئيسة إلى أقسام المحاسبة، والمالية، والاقتصاد، والقانون في الجامعات السعودية بهدف تطوير برامجها وإكساب خريجيها التأهيل اللازم للعمل في قطاع الاستثمار بشكل عام، وفي مجالات الجهات الخاضعة لإشراف هيئة السوق المالية، بشكل خاص. أولى هذه التوصيات التطوير المستمر لمنهجيات ومحتويات البرامج من خلال الساعات المعتمدة، والتخصصات الدقيقة، والمقررات الدراسية. ثانياً: تبني تطوير المحتويات والموضوعات العلمية التي تؤهل الخريجين لاجتياز الاختبارات التي تعقدها الهيئات والجمعيات المهنية للحصول على الزمالة المهنية. ثالثاً: زيادة مقررات القانون في تخصصات المحاسبة والمالية والاقتصاد.
رابعاً: التركيز على احتياجات ومهارات متخذي القرارات أكثر من التركز على العمليات والوقائع المالية. خامساً: تقديم نوع من التدريب على رأس العمل للطلاب قبل التخرج لإحداث نوع من التواصل بين هيئة السوق المالية والجهات الخاضعة من ناحية، وطلاب البرامج العلمية الأربعة من ناحية أخرى. سادساً: تشجيع التأليف وتحديث المؤلفات بواسطة أعضاء هيئة التدريس، كذلك تشجيع ترجمة المؤلفات العالمية المعترف بها وتعديل التراجم مع كل إصدار جديد. سابعاً: ضرورة تأسيس علاقة مستمرة بين الجامعات والقطاع الاستثمار بما يسهم في معرفة احتياجات قطاع السوق المالية فيما يتعلق بالتخصصات العلمية والمعارف الضرورية للعاملين في شركات قطاع السوق المالية.
ثامناً: إشراك ذوي الخبرات والتجارب الوظيفية المتميزة في تقديم المحاضرات والدروس في الجامعات السعودية لإثراء العملية التعليمية وإضافة أبعاد مهنية من خلال ما يقدمونه من تجارب عملية، ومن خلال تواصلهم بمواقع عملهم، مثلما يحدث في الجامعات المرموقة. تاسعاً: التوسع في البرامج المهنية لما بعد البكالوريوس، مدة كل منها سنة أو أكثر، تكون متخصصة في المراجعة والحوكمة، والتحليل المالي، وتقويم الشركات، والأسواق المالية. وأخيراً عاشراً: التوسّع في برامج التدريب التأهيلية بالتعاون مع الجمعيات العلمية والمهنية بما فيها البرامج التدريبية في التخصصات الدقيقة التي يحتاج إليها القطاع الاستثماري.
تقودنا نتائج الدراسة وتوصياتها إلى مطالبة كليات إدارة الأعمال السعودية بنفض غبار السبعينيات والثمانينيات الميلادية من برامجها الأكاديمية ومقرراتها الدراسية لتقديم برامج ومقررات تواكب الغد عوضاً عن اليوم. جهود متبوعة بالخروج من أسوار حرمها الجامعي ودخول معترك سوق العمل السعودية للتعرف على احتياجاتها المستقبلية وملامسة مستهدفات العملية التنموية السعودية من الكوادر الوطنية بما يمكنها من أن تصبح مركز إشعاع رأسمال بشري رئيس في إسناد العملية التنموية السعودية. واجبات لا نرغب في أن نسند تأديتها إلى كليات أعمال غير سعودية مع إغلاق أبواب مثيلتها السعودية تمهيداً لإزالتها بعد فقدان الثقة بجهودها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي