الفارغون !!
الأواني الفارغة تحدث جلبة أكثر من الأواني المملوءة، وكذلك البشر!.
الصورة الإعلامية الطافية والطافحة فضحت حجم الفراغ الذي أصاب من ظنناهم نُخباً.. ارتفاع توهمناه سمواً، وانتفاش حسبناه امتلاءً، ومظهر ظنناه هيبة، فلما جاء المحك أبان أصل المعادن التي لمعت طويلاً بقشرة مزيفة.
المشهد المصري عقب الثورة أسقط أقنعة توارت نخباً خلفها حيناً من الدهر، ولم يسلم من ذلك حزب أو تيار أو جماعة أو جبهة.. كل أولئك انكشفوا تباعاً في معرض الامتحانات المتعاقبة عقب الثورة، حين وضعتهم ظروف مصر أمام خيارين لا ثالث لهما.. مصر أو مصالحهم؟، فاختاروا مصالحهم في الخفاء متذرعين بحب مصر في العلانية، مستعملين الدهاء والحيلة حتى يصدق السُّذج ما يدَّعون.
أزعم أن فترة ما بعد ثورة 25 يناير أماطت اللثام عن شخصيات جوفاء ملأت الأروقة ضجيجاً وتنظيراً، فلما جاءت لحظة التنفيذ والتطبيق خروا تباعاً في مستنقعات الفشل وقلة الحيلة، لتتأكد من جديد وبثوب جديد نظرية الوعود الكاذبة، التي تبنتها النخب على مدار عقود من قبل ومن بعد، وكأننا أمام مقرر على هذا الشعب المسكين.
أنطلق من هذا نحو الإشارة إلى أن حالة الفوضى المُنتشرة في الشارع ربما تكون شماعة لكل الفاشلين ليعلقوا فشلهم عليها، ومن ثم لا يسعون جدياً إلى إنهائها، لأنها توفر قاعدة تبريرية يتكئون عليها كلما واجهوا السؤال التالي: ماذا فعلتم؟، لأني لا أستوعب استحالة الوصول إلى حل يفضي إلى الاستقرار والهدوء، فالحلول كثيرة ولكن هناك من يعمد إلى تجاهلها أو طمرها لحاجة في نفسه.
لعل الشعب المصري قد أدرك الآن أن إدارة شئونه تحتاج إلى رجال أكفاء، ظاهرهم كباطنهم، يفعلون ما يقولون، وبأخطائهم يعترفون ولها يصححون، وأن الأمر يتخطى بكثير مرحلة الجلجلة بالشعارات في الفضائيات وواجهات الصحف، فليس كل من علا صوته واحمر وجهه وبرزت عروقه أمام الميكرفون والكاميرا يستطيع بالضرورة أن يترجم كل أو بعض ما قاله إلى حقائق، بل ثبت أن الذين يتكلمون كثيراً.. لا يعملون إلا قليلاً.
إذن، فليتوقف الفارغون على الكلام كي لا يزدادوا أمام الرأي العام خواءً، وليبحثوا لهم عن عمل يتفق مع مواهبهم الحنجرية. كذا فليتوقف الثرثارون، قليلو الحياء والأدب والاحترام، كثيرو الصياح والنعيق والتبرير الفارغ، فإن ما يفعلون لا يمثل إلا صدى صوت لكائنات جوفاء، خالية من كل إبداع أو تأثير.