خليجنا واحد .. لكن «أسواق العمل» ليست كذلك

في الوقت الذي تعاني فيه ثلاث دول خليجية (السعودية، عمان، والبحرين) معدلات بطالة مرتفعة، تشهد ثلاث دول أخرى (الإمارات، قطر، والكويت) نموا مرتفعا في التوظيف.
وفي الوقت الذي تواصل فيه هذه الدول الست مجتمعة استقدام أعداد مخيفة من العمالة الآسيوية، يلهث شبابنا الخليجي بحثا عن عمل، وتتعرض مجتمعاتنا إلى اختلال في التركيبة السكانية (الديمغرافية).
وفي الوقت الذي نحصن فيه أنفسنا من المخاطر الخارجية كما فعل القادة الخليجيون حين أقروا الاتفاقية الأمنية لدول المجلس وإنشاء قيادة عسكرية موحدة خلال القمة ''الثالثة والثلاثين'' (البحرين، نهاية 2012)، ننسى أن نحصن أنفسنا من المخاطر الداخلية كالبطالة، فالبيروقراطية في خليجنا الأبيّ تعرقل تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية.
ولعلنا نقول، إن أهم السبل الكفيلة باستغلال الموارد البشرية عربيا هو ما يعرف بـ ''خلجنة الوظائف''، وهي عملية توطين الوظائف أمام الخليجيين، وإحلالهم محل الوافدين الأجانب، إذ إن المعروف أن الدول الخليجية تمنح الأولوية لمواطن الدولة، لكن هناك عقبات تحول دون منح الشقيق الخليجي الأولوية الثانية مقارنة بالوافد الأجنبي.
إذ تشير بعض المصادر عن وجود أكثر من 1700 موظف سعودي يعملون في شركات خاصة في الخليج، في المقابل هناك 3615 موظفا سعوديا يعملون في القطاع العام الخليجي وفق إحصائيات المؤسسة العامة للتقاعد (2012)، حيث توزع المسجلون في بيانات المؤسسة من المواطنين السعوديين الذين يعملون في وظائف حكومية في الخليج المشمولين بنظام مد الحماية التأمينية لدول الخليج العربية كالتالي: الكويت (3075 موظفا سعوديا)، الإمارات (261 موظفا)، قطر (236 موظفا)، البحرين (33 موظفا) وعمان (عشرة موظفين).
هذه الأرقام الضئيلة تدفعنا إلى تبني أفكار ريادية كالتي طرحها عبد الرحيم نقي الأمين العام لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي عبر ''الاقتصادية'' مقترحا حلولا لمشكلة البطالة في الخليج، ومن ضمنها دعوته إلى ضرورة تفعيل مسارات السوق الخليجية المشتركة، وفي مقدمتها المسار المتعلق بتنقل وعمل المواطنين الخليجيين (خلجنة الوظائف)، مؤكدا أن الإحصائيات تبين أن انتهاج سياسة الإحلال وخلجنة المهن والوظائف لن تزيد نسبة العمالة الأجنبية على 10 في المائة، خاصة أن هناك فرصا وظيفية في قطاعي السياحة والطيران.
من جهة أخرى، نحتاج إلى مبادرات تعزز التوجه نحو الاستغلال الأمثل للموارد البشرية الخليجية (''دهننا في مكبتنا'' كما يقول الخليجيون)، فعلى سبيل المثال عمدت قطر إلى إجراء مسح في سوق العمل لمعرفة حجم الاحتياج الوظيفي، تمهيدا لطرح الوظائف أمام مواطني الخليج لشغرها، وسبق أن أكد أحد مسؤولي غرفة تجارة قطر عبر ''الاقتصادية'' أنه سيتم بعد المسح الإعلان عن الوظائف وطرحها أمام الخليجيين، مشيرا إلى أن الموظف الخليجي يحصل في قطر على 90 في المائة من المميزات التي يحصل عليها القطري.
إذن، هناك الكثير من الأفكار والمبادرات التي تساعد الحكومات الخليجية على تعزيز التوجه نحو ''خلجنة الوظائف'' وتذليل العقبات التي تحول دون ذلك المشروع، على عدة مستويات:
- المستوى الاستراتيجي: تكريس التناغم بين وزارات التخطيط الخليجية بحيث يتفق الخليجيون على أهداف متوسطة وبعيدة المدى لتنمية الموارد البشرية، ومن ذلك إحداث نقلة نوعية في مستوى التعليم العام والجامعي في الخليج وكذلك التدريب المهني والتقني.
- المستوى التشريعي: محاولة تقريب أو توحيد قوانين العمل على مستوى الدولة الخليجية الواحدة، ولا سيما أن بعض الخليجيين ورطوا أنفسهم في أنظمة عمل مختلفة للقطاع العام والقطاع الخاص، وإذا تم التقريب أو التوحيد على مستوى الدولة الواحدة، ننطلق بعد ذلك إلى تقريب أو توحيد أنظمة العمل على مستوى دول الخليج العربي، في المقابل نجد أن أكثر الإنجازات التشريعية التي تحققت للمواطنين الخليجيين هو إقرار النظام الموحد لمد الحماية التأمينية لمواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية العاملين في غير دولهم في أي دولة عضو في المجلس الذي طبق اعتبارا من أول كانون الثاني (يناير) 2007.
- المستوى الاقتصادي/ الإداري: تفعيل ''الاتفاقية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون'' المبرمة عام 2001، ما يسهم في تحقيق وحدة اقتصادية حقيقية تنهض بأبناء الخليج، وتسهل عليهم التنقل بين دول المجلس للاستثمار والعمل والدراسة، لذا، يجب تذليل البيروقراطية وتفعيل القرارات الكبرى، خاصة المتعلقة بتنمية الموارد البشرية، والتعاون في مجالات البحث العلمي والتقني، فأبناء الخليج أحق من غيرهم بالعمل والدراسة، ومن ذلك تفعيل فكرة ''إعارة الموظفين'' بين مختلف القطاعات الحكومية الخليجية بهدف تبادل الخبرات الخليجية، وتعيين الكوادر الخليجية محل الوافدين، خاصة الآسيويين الذين يهدد تزايدهم بإحداث خلل سكاني في دول المجلس.
- المستوى التكنولوجي (التقني): ربط الجهات الخليجية (الحكومية والخاصة كالغرف التجارية) ضمن نظام إلكتروني رسمي للتدريب والتوظيف يتيح التوفيق بين العرض والطلب في أسواق العمل الخليجية، علما أن هناك مواقع توظيف خاصة في الخليج لكنها تعمل بدوافع ربحية.
هناك فرص هائلة للمواطن الخليجي لكنها غائبة أو ُيراد لها أن تغيب، لذا علينا أن نفتح أسواق عملنا في خليجنا العربي، لكيلا ندفع المواطن الخليجي الذي تستقبل أرضه آلاف الآسيويين أن يرحل مثلما فعل حسين بن عاقول (حسين عبد الرضا) في مسلسل ''درب الزلق'' (1977) حين ترك الخليج أكثر من مرة طلبا للرزق!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي