زيادة عضوية أوبك: حوار مع المستشار خالد عثمان

كما هي عادتي في كل ما يكتبه الأستاذ المستشار خالد عثمان اطلعت بكل اهتمام على مقاله المنشور في صحيفة "الاقتصادية" العدد 4882 الصادر بتاريخ 22/02/2007 حول زيادة عضوية منظمة أوبك ولدي بعض الملاحظات لكنني أبدأها بما يلي:
أولاً: إنني تشرفت بمعرفة الأستاذ المستشار خالد عثمان من خلال زمالته والدي في وزارة البترول والثروة المعدنية في الرياض فترة من الزمن، وكم كان والدي يثني عليه وعلى أسلوبه المتماسك في تحرير المذكرات القانونية وما تستند إليه من لغة عربية جميلة، ثم تشرفت بلقائه ونمت بيني وبينه علاقة التلميذ بأستاذه، وكم أثلج صدري عندما أشار في إحدى مقالاته إلى ورقة قدمتها في إحدى الندوات عن لجنة تسوية المنازعات المصرفية التي قضيت فيها ما يقرب من خمس سنوات سعدت خلالها بالعمل عن كثب مع أستاذي المرحوم الدكتور محمد الجبر.
ثانياً: إن موضوع المقالة من الناحية القانونية بعيد إلى حد ما عن تخصصي وهو النظام المصرفي الذي أزاوله بشكل يومي، لكن علاقتي الحميمة بوالدي مكنتني من الاطلاع على مكتبته العامرة بالمراجع البترولية وزياراتي الأسبوعية لموقع "أوبك" في الإنترنت، أضف إلى ذلك اهتمامي بهذا المرفق الذي يمثل عصب الاقتصاد السعودي، كل هذا كون لدي الرغبة في متابعة ما يكتب عن البترول ومنظمة أوبك بالذات وأخص بالذكر ما يكتبه المستشار خالد عثمان، بعد هذا أقول:
1 - تتحدث المقالة عن انضمام أنجولا لـ "أوبك" وكأن الأمر ما زال في طور الدراسة والتمحيص والحقيقة المعروفة أن أنجولا انضمت بموجب قرار المؤتمر الاستثنائي للمنظمة المنعقد في أبوجا عاصمة نيجيريا في شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي وهي الآن عضو كامل الأهلية وقد يكون السبب في هذه الهفوة أن المقالة كتبت قبل موافقة مؤتمر "أوبك" على انضمام أنجولا.
2 - إن أهم أثر ينجم عن انضمام دول نامية إلى "أوبك" هي أنها بشكل تلقائي تخرج من نشاط صندوق الأوبك للتنمية الدولية " أفيد " الذي تملكه الدول الأعضاء نفسها (عدا أنجولا)، إذ تنص المادة الثالثة من نظامه الأساسي على أن نشاط الصندوق مقصور على الدول النامية خلاف الدول الأعضاء في "أوبك" وهو نص صريح لا يقبل التأويل ولا يمكن الخروج عنه إلا بتعديل النظام الأساسي على افتراض اتفاق الدول الأعضاء في "أفيد" على استثناء بعض الدول.
3. صحيح أن الإكوادور من الناحية الفعلية تعد خارج "أوبك" لكن عندما يتصدى أساتذة القانون لوضع الإكوادور فإنها من الناحية القانونية لا تعد منسحبة تماماً والسبب أن قرار خروج الإكوادور من "أوبك" لم يتم بناء على المادة (8) من دستور "أوبك" التي تنص على حق الدولة في الانسحاب شريطة أن تكون قد وفت بكافة التزاماتها المالية للمنظمة، والإكوادور عندما أرادت الخروج كانت مدينة للمنظمة بمبلغ لا يزال معلقاً مرده أنها لم تسدد ما عليها من التزامات من حصتها في ميزانية المنظمة بشكل تراكمي، ولذلك قرر المؤتمر عام 1992 تعليق عضويتها واستعملت عبارة تعليق العضوية Suspension رغم أنها لا وجود لها في الدستور، والعبرة من هذا الاستطراد الأكاديمي أن الإكوادور تستطيع متى شاءت إذا وفت بالتزاماتها للمنظمة أن تعود إلى مكانها دون الحاجة إلى المرور عبر المادة (7) الخاصة بالعضوية الجديدة وللتوضيح فإن الجابون التي انسحبت في الأول من شهر كانون الثاني (يناير) من عام 1995م انسحاباً كاملاً تمشياً مع نص المادة الثامنة من الدستور تحتاج للرجوع إلى المنظمة إلى تقديم طلب جديد وفقاً للفقرة (ب) من المادة الثامنة.
4 - ذكر الكاتب الجليل أن إندونيسيا اعترضت على حصتها في التخفيض لأن إنتاجها أقل من حصتها النفطية المحددة ضمن نظام الحصص الإنتاجية وهناك ملاحظتان على هذا الرأي، الأولى أن قرار التخفيض في الدوحة في 19/10/2006 اتخذ أساسه الإنتاج الفعلي وليس الحصص المكونة للسقف. أما الثانية فهي أن دولة مثل إندونيسيا رغم تمسكها بـ "أوبك" والتزامها التام بمبادئ المنظمة إلا أن طاقتها الإنتاجية في تدنٍ مستمر ولذلك فإن مشاركتها في التخفيض أو الزيادة أمر لا يقدم ولا يؤخر.
5 - أشار الأستاذ الفاضل إلى المادة الرابعة من دستور "أوبك" دون أن يضعها في سياقها التاريخي وللتذكير أنقل النص كما ورد في الدستور وفي المقالة (إذا ما نجم عن تنفيذ أي قرار من قرارات المنظمة إن قامت شركة أو أكثر من الشركات المعنية، باتخاذ إجراءات، بصورة مباشرة أو غير مباشرة ضد أي قطر واحد من الأقطار الأعضاء، فإنه لا يجوز لأي عضو من الأعضاء الآخرين أن يقبل عرضاً ينطوي على محاباة له - سواء كان ذلك بزيادة الصادرات أو برفع الأسعار - قد تعرضه عليه أي شركة أو شركات معينة كهذه بغية إعاقة تنفيذ قرار المنظمة) هذه المادة وضعت عند إنشاء الأوبك وعندما كان الصراع محتدماً بين الحكومات المنتجة والمصدرة للبترول وبين الشركات العالمية على تفسير عقود الامتياز التقليدية ومحاولات الدول الأعضاء التفاوض مع الشركات على تعديل الشروط المالية، وقد فقدت هذه المادة هيبتها ولا أقول قيمتها بعد استكمال الدول البترولية سيطرتها على مواردها الطبيعية منذ منتصف السبعينيات، أضف إلى ذلك وهو المهم أن العقود مع الشركات لم تعد عقود امتياز، بل تطورت إلى عقود لا تخل بسيادة الدولة ولا تتعارض مع حقها في تسيير مواردها الطبيعية على النحو الذي تراه، ويرتبط بهذه المسألة قلق وكالة الطاقة الدولية من انضمام دول جديدة إلى "أوبك" وللإيضاح فإن المقصود بهذا القلق الذي يعكس فقدان الثقة بين بعض المستهلكين ودول المنظمة أن الشركات التي تستثمر في قطاع البترول في الدول الأعضاء في "أوبك" تريد أن تتأكد أن حصتها في الإنتاج (تبعا لطبيعة العقد) لن تخضع لأي تقنين في الإنتاج ضمن حصة الدولة المعنية. إن كان هذا التخريج صحيحاً - وأحسبه كذلك - فإنه موقف يدعو للتأمل، إذ أن أكبر دولة تحافظ على استقرار السوق ببناء طاقة إنتاجية فائضة وهي المملكة العربية السعودية تفعل ذلك - بكل حكمة واتزان - عن طريق شركتها الوطنية التي تستثمر أموالها الخاصة بها ودون الاعتماد على شركات البترول العالمية بمعنى أن حماية السوق بما ينطوي عليه من تضحيات تأتي من شركات الدول المنتجة وليس من شركات الدول المستهلكة.
وخلاصة القول فيما يتعلق بعضوية "أوبك" أن ما يعطي للمنظمة هيبتها وسمعتها ليس الكم الذي يتمثل في دخول بعض صغار المنتجين وإنما بوجود دول لديها الإرادة السياسية والمقدرة التقنية والمالية على تحويل احتياطاتها من البترول إلى طاقة إنتاجية قادرة على تنفيذ أحد أهم أهداف "أوبك" وهو المحافظة على استقرار السوق وهذه الدول أو الدولة معروفة للجميع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي