الاستثمارات الخارجية للدولة .. تصحيح المفاهيم الخاطئة

كان إيضاحا سارا ما ذكره وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف بشأن إدارة الاحتياطيات والاستثمارات الخارجية للدولة، وذلك في المقابلة التلفزيونية التي أجريت معه بعد الإعلان عن الميزانية العامة للدولة.

لأول مرة يوضح الوزير بشكل مباشر الحقيقة السارة عن كيفية استثمار الأموال السيادية للدولة والمهنية التي تدار بها والأداء المتميز لتلك الاستثمارات خلال السنين الماضية مقارنة بالصناديق السيادية الأخرى في العالم، وأن تلك الاستثمارات ليست في معظمها بالدولار أو السندات الأمريكية، كما يعتقد البعض، وأنها متنوعة وليست مقتصرة أو مركزة على أدوات استثمارية معينة.

هذه الحقيقة تغيب عن كثير من المحللين في قراءتهم لموضوع إدارة الاحتياطيات والاستثمارات الخارجية للمملكة. وهي تصحيح لمفاهيم خاطئة كانت تقلل من الإنجازات الكبيرة للدولة في هذا المجال.

ربما يعود ذلك لعدم توافر المعلومة، والافتراض بأن مؤسسة النقد كغيرها من البنوك المركزية تقوم بإدارة الاحتياطيات من النقد الأجنبي في أدوات نقدية وسندات قصيرة الأجل ذات سيولة عالية بعوائد منخفضه، في حين أن مؤسسة النقد كانت تقوم بالمهمتين معا، إدارة الاحتياطيات، والاستثمار كصندوق سيادي بعوائد جيدة.

فمنذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، عندما بدأ دخل الدولة من البترول في الارتفاع، قامت مؤسسة النقد بإنشاء جهاز فني متخصص في الاستثمارات الخارجية، وجلبت له من المستشارين أفضل الكفاءات العالمية، في وقت لم تكن قد أنشئت فيه معظم الصناديق السيادية العالمية الأخرى. ومنذ نحو 20 سنة، أصبح تقريبا جميع القائمين على هذا الجهاز من السعوديين يعملون بصمت وإخلاص ومهنية عالية.

ولا شك أن هذا مصدر اعتزاز وفخر للوطن. ويعتبر هذا الجهاز في نظر المتخصصين في البنوك ومؤسسات الاستثمار العالمية واحدا من أقوى أجهزة الاستثمار السيادية في العالم، وأكثرها عمقا وحصافة في إدارة المخاطر، متفوقا في أدائه خلال العشرين سنة الماضية على معظم الصناديق العالمية ومنها صندوق النرويج السيادي المعروف بتميزه، الذي يعتبر أحد أفضل الصناديق السيادية تطورا ونجاحا.

هذه حقيقة نفتخر بها جميعا، توضح أن أمرا مهما مثل إدارة الاحتياطيات والاستثمارات الخارجية للدولة تم بناؤه على أسس قوية، سبقت المملكة فيها معظم الدول الأخرى في هذا المجال. وفي مقال قادم - إن شاء الله، يمكن إيضاح الفرق في مضمون المسميات بين "الصندوق السيادي" و"الاحتياطيات"، وما يمكن أن يعني ذلك نحو تحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوة من تلك الاستثمارات في دعم الاقتصاد الوطني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي