التعصب الجديد
يبدو أننا نعيش واقع مصطلح جديد في الساحة الكروية يختلف تماماً عن التعصب القديم الذي كان موجوداً من قبل، ويؤسس لمفردات ينتمي ولا ينتمي التي تقوم على إقصاء الآخر والسخرية منه وقمع كل جميل فيه حتى لو كان هذا التعصب لهذا الفريق أو ذاك منتهياً بالبكاء أو الاستثارة أو ترويج الشائعات أو الحزن الشديد أو وأد المهنية أو توسيع مساحة الخلاف وربما إلى أشياء لا تحمد عقباها!
التعصب الجديد ليس بالضرورة أن يكون مصطلحاً تنتظر من جديده تحولاً إيجابياً، بل هو يستعين بالإعلام الجديد، لبث سخريته التي تتباهى بشموليتها أرجاء كل من اختار الكره قبل الكرة، والخلاف قبل الاختلاف، والانتقاد قبل النقد، يحدث من المسؤول في رعاية الشباب قبل مسؤول النادي، ومن الطفل الصغير قبل الكبير، ومن الإعلامي قبل المشجع، ومن الأكاديمي ومربي الأجيال قبل الطالب، ومن مقدم البرنامج قبل الضيف، ومن المدرب والرئيس واللاعب والإداري، وربما لم يستثنِ مسؤول هذه الشركة أو تلك!
لا أبالغ فيما ذكرت قياساً بصور يحتفل فيها موظفو الرئاسة الذين ننتظر منهم التعامل مع جميع الأندية على مسافة واحدة، ولن أتغاضى عن استشراء التعصب وهناك مقاطع فيديو بدا فيها أطفال في عمر الزهور يبكون حرقة لمجرد خسارة لفريقهم، ولا أهول الأمر ما دام الأكاديمي في جامعته والمعلم في مدرسته والموظف في دائرته يتخلون عن مهنتهم الأساسية من أجل التغني بفرقهم دون أي مراعاة لمشاعر الآخرين، ولا يمكن أن أستوعب أن إعلامياً يغرد في "تويتر"، ويرضى بأن يستعرض ميوله التي لا يقبل معها أي رأي آخر، أو يبث سخريته وصور احتفائه بفوز فريقه المفضل، ولا يمكن أن أصدق أيضاً ذهول مقدم ذلك البرنامج وضحكاته الهستيرية لمجرد فوز عشقه الكبير!
لن ألوم كل هؤلاء ما دامت أسر تتخلى عن أهم قيمها التي يجب أن تغرس في نفوس فلذات أكبادها، ولن ألوم هذا الإعلامي الذي رضي بالتبعية بدلاً من المهنية، في ظل رضا صحيفته وقناته بهذا القدر المتواضع من المهنية، ولن ألوم هذا الأكاديمي وذاك المعلم إذا لم يستشعرا عظم المسؤولية ورسالتهما السامية.
لن ألوم ولن ألوم ومن ألوم؟.. ما دام وهج الشهرة والانتشار والمتابعة وانعدام المسؤولية والرقابة هي الأساس الذي ينطلق منه مغرد تغافل عن أدبيات التغريد، ومسؤول أغفل حدود مسؤوليته، وإعلامي لم يحترم إعلاميته، سواء عبر الانتقاص أو الشتم أو السخرية أو الدخول في الذمم أو إثارة المشجعين، ناهيك عن الخروج عن سقف المهنية.
إننا نحتاج إلى ثقافة جديدة وإحساس بالمسؤولية، نعي من خلالها خطورة هذه القضية لتقوم الجهات المعنية بواجبها الذي يحتم عليها إبقاء كرة القدم في سياقها الطبيعي، وهذا يتطلب من الجميع أن يقوموا بدورهم المهني والتوعوي والتثقيفي على أن يصاحب ذلك تفعيل لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية ولوائح لجنة المخالفات في وزارة الإعلام، ومواد الانضباط، فمن أمن العقوبة وتجاهل المهنية أساء وتعصّب!