«يعطيك خيرها»
«يعطيك خيرها» رسالة صادقة من داخل جهاز المرور السعودي ليؤكد من خلالها حجم المأساة التي يعيشها المجتمع السعودي بسبب حوادث السيارات التي تعتبر نعمة من الله - سبحانه وتعالى - على البشرية، خصوصاً أمم القرن العشرين والقرن الحالي بسبب اختراع السيارة وتطورها، وأيضاً تطور وانتشار الطرق داخل المدن وخارجها بكل ما صرف عليها من مبالغ لجعلها طرقا جميلة ومريحة وآمنة استخدم فيها كل وسائل السلامة من نوعية مواد الإنشاء إلى اللوحات التحذيرية إلا أن المشكلة الحقيقية التي جعلت هذه النعمة الإلهية نقمة على مجتمعنا هي هذا السلوك المشين لمستخدمي السيارة والطريق.
إن المراقب لنوعية وموديلات السيارات ومستوى الطرق يستغرب هذا الحجم المخيف من حوادث السيارات التي تجاوزت كل التوقعات ونافست أعنف الحروب، وبالنظر إلى الإحصائية السنوية لعام 1434هـ التي تصدرها الإدارة العامة للمرور يصعق الإنسان منا من عدد الحوادث المرورية، كانت حصيلتها أكثر من ستة آلاف قتيل وأكثر من 68 ألف مصاب سنويا، وهذا يفوق عدد ضحايا حرب الخليج ويفوق عدد ضحايا العنف في العراق لمدة عام ويعتبر ضخا سنويا للمعوقين داخل المجتمع، وخسائر مادية سنوية أكثر من 13 مليارا، كما تجاوز عدد الضحايا خلال العقدين الماضيين 86 ألف شخص، هؤلاء القتلى والمصابون والسيارات التالفة والأملاك المدمرة تكلف المجتمع الكثير من التكاليف الاجتماعية والاقتصادية، فكم عدد الأطفال الذين يتموا والنساء اللاتي ترملن والأمهات الثكالى والآباء الذين قتل أو أصيب أبناؤهم وهم ثروتهم الحقيقية، وكم هدم من بيت كان ينظر لعائله نظرة الأمل والمستقبل المشرق، وكيف تحول ذلك إلى خراب ودمار وضياع لمستقبل عائلات كانت تحلم قبل ثوان من وفاة عائلها بسبب تصرف طائش من إنسان غير مسؤول أعُطي كل متطلبات التنمية والتحضر وحرم نعمة العقل المقدر لهذه النعمة. زيارة واحدة لأحد المستشفيات الرئيسة في أي من مدننا نجد العدد غير المحدود وغير المعقول من تلك الأجسام الغضة والشابة مرمية على أسرة بيضاء عبارة عن قطع من اللحم لا حركة فيها ولا رجاء فقدت طعم الحياة وأملها، كما فقدت نعمة الله - سبحانه - عليها بعمارة الأرض والتفكر فيها.
الخلل ليس في المركبة ولا الطريق غالباً ولا في الأنظمة وهي كثر، ولكن الخلل الحقيقي ينبع من تربية وثقافة المجتمع وتقديره لهذه الآلة التي يركبها، ومعرفته الحقيقية لكيفية استعمالها والتعامل معها، وأنها ليست حمارا أو بغلة أو حصانا يركبه الراكب فيعرف هذا الحيوان بالفطرة طريقه فلا يسرع من دون سبب ولا يقع في الحفرة التي أمامه أو يصطدم بالحيوان المقابل له.
الفجوة بين معطيات التنمية وصناعتها وبين الإنسان المستخدم لها، فجوة كبيرة وتزيد – مع الأسف الشديد - في الاتساع، فبنظرة بسيطة متأنية لكيفية قيادتنا للمركبة واحترامنا لحقوق الطريق واحترام حق المشاة والإشارات ومواقف السيارات يجد المرء نفسه في معركة لا يعرف فيها من هو خصمه ولا متى يمكن أن تصيبه الطلقة القاتلة.
سرعة جنونية وتجاوز أجن من كل الاتجاهات ومخالفة صريحة مباشرة لإشارات المرور ووقوف في أي مكان وبأي طريقة.
إن الفجوة مخيفة والعلاج عسير ما لم يتم بشكل عاجل وضع رؤية شاملة تعتمد على دراسة متأنية لسبب الخلل الحقيقي ووضع العلاج الحاسم الجازم الذي لا يراعي صاحب الواسطة وابن العم، يكون هدفه نشر الوعي الحضاري والتأكيد على أن الإنسان المتحضر الصالح هو من يحترم معطيات التنمية ويقدرها ويرعاها ويحافظ عليها ويكون قدوة لغيره، وليس الإنسان الصالح هو من يخالف الأنظمة ويتظاهر بأن العظمة والقدرة والمكانة الاجتماعية هي من خلال مخالفته الأنظمة وعدم احترامها واحترام حقوق الآخرين.
لا بد أن نبرز لمجتمعنا أهمية القدوة الصالحة وتفعيل ذلك من خلال كل الوسائل المتاحة.
عندما ننجح في ذلك فإنني أؤكد لكم أننا لن نحتاج إلى هذا الكم الهائل من الأنظمة غير المطبقة ولا نحتاج إلى وجود رجل أمن مع كل مركبة، إنما يصبح كل واحد منا الرقيب على نفسه والمُصلح لها والمحترم لحقوقها وحقوق الآخرين.
وقفة تأمـل
ما نطرد المقفي ونتبع الدون
وكفوفنا تندي ولا هي شحيحة
ولا نستمع للقال والي يقولون
إلا من الغالي إذا جاب النصيحة
ما نحن بهايم يأكلون وينامون
الي تباشر في حدوث الفضيحة
بعض العرب ودك بقربك يعيشون
جلساتهم تبري القلوب الجريحة
وبعض العرب ودك بسرعة يموتون
على الأقل يكسب «قولة» عسى الله يبيحه