السعودية وأجندة القرن

مقال "السعودية تجمعنا" كان مقدمة طرح لإيضاح دور المملكة وأهميتها على الصعيدين الإقليمي والدولي، واستمرارا لما سبق طرحه من رؤى حول أهمية البناء والتنمية والتطوير والعمل على جعل كل أعمالنا وفي كل قطاعات الدولة الخمسة الحكومية والخاصة والأهلية والأكاديمية والإعلامية مترابطة ومتكاملة وتنطلق من رؤية وطنية مشتركة تعزز من البناء السليم المتواصل وتقضي على كل معاول الهدم الداخلية والخارجية. وكما ذكرت في المقال السابق "السعودية تجمعنا" فإن لقاء جمع العديد من المهتمين بالشأن التنموي العالمي وممن شاركوا في وضع أجندة القرن الواحد والعشرين التي بنيت على كل المؤتمرات الدولية التي عقدتها الأمم المتحدة في سعيها للتحضير لوضع الأجندة التي عقدت قبل انعقاد مؤتمر إسطنبول عام 1996 الذي التقى فيه أغلبية قادة العالم أو ممثلوهم من رؤساء الوزراء أو الوزراء المعنيون بالتنمية الذي تم فيه اعتماد أجندة القرن الواحد والعشرين وركزت على العديد من القضايا التنموية وكان من أهمها الطاقة والمرأة والأسرة وكان للوفد السعودي في ذلك المؤتمر موقف واضح وقوي حول الكثير من المفاهيم التي حاولت الدول الغربية وأمريكا فرضها ضمن الأجندة، خصوصا ما يتعلق بالطاقة والأسرة، ولعل ما كتب في مجلة "ناشيونال رفيو" الأمريكية NATIONAL REVIEW بتاريخ 15/7/1996 في مقالة تعتبر الأهم حول إيضاح ما دار من صراع حول وضع الأجندة والمواقف وتشخيصها والمقال بعنوان Radical Rout وتعني "هزيمة المتطرفين" أو "ال راديكال" وتحكي المقالة عن محاولات الوفد أو الفريق الأمريكي فرض توجهاته للقرن الحادي والعشرين على جميع الدول وكيف أنه خسر تلك المحاولات المتطرفة في نظر المجلة.
إن لقاء المهتمين والمختصين العالميين في شؤون التنمية والمداولة حول ما تم من جهود لتنفيذ مخرجات أجندة الواحد والعشرين والتحضير لما يسمى "إسطنبول + 15" الذي يعني المراجعة لما تم إنجازه خلال الـ 15 عاما من بداية القرن الحالي ومعرفة نقاط القوة والضعف وأسبابها والعمل على علاجها ومحاولة فرض توجهات جديدة على بعض الدول وعلى رأسها المملكة فيما يتعلق بالشأن الداخلي لها مثل نشر وتعزيز مفهوم الديمقراطية الغربية والانتخابات وحقوق الفرد والأقليات والعمل على إعطائها حق الإقامة الدائمة والجنسية في الدول الخليجية التي يولدون فيها وعمل المرأة أو وضعها بشكل عام، وكذلك الأسرة وعلاقاتها الداخلية وفقا لما تم تحقيقه في الدول الغربية، خصوصا الولايات المتحدة، وغيرها من القضايا التي يرون معها أهمية الإصرار على تنفيذها من خلال ما يسمونه القوة الخفية أو الناعمة وبمختلف الوسائل ومنها على سبيل المثال استخدام المنظمات غير الحكومية من خلال دعمها المالي والفكري وتقديم الحماية المجتمعية والإعلامية لها من أجل تحقيق الأهداف الموضوعة من قبلهم، وكذلك بعض الجامعات ومراكز الدراسة والبحث والبرامج الإعلامية وغيرها من الطرق المباشرة وغير المباشرة، وفي نظرهم أن ما حدث في العديد من الدول العربية تحت مظلة ما يسمى "الربيع العربي" المبني على الفكر الأمريكي الذي يعود لمنتصف الستينيات الميلادية من القرن الماضي الذي يدعو إلى فرض الديمقراطية الغربية حتى لو أدى ذلك إلى خلق ما أطلقوا عليه "الفوضى الخلاقة".
إن آلية تنفيذ فكر "الفوضى الخلاقة" ينطلق من تحريك القضايا الخلافية داخل المجتمع مهما كان المجتمع متجانسا سواء من الناحية الدينية أو العرقية والأخلاقية أو غيرها من الأمور التي تخلق نوعا من الخلاف ثم تقود إلى الانقسام ثم المطالبة بالانفصال أو الاستقلال كما هو حادث الآن في العراق وقبله في السودان وبعده العديد من الدول العربية وغير العربية، وهذا التقسيم يضعف قدرة المجتمعات على حماية نفسها، ولهذا فإن النظرة للسعودية اليوم كدولة متجانسة تنطلق من عقيدة واحدة. وكما أوضحت في مقالات سابقة أننا كشعب سعودي جميعنا مسلمون وبناء الدولة المؤسسي بني على ذلك، لهذا لا يمكن مطالبتنا بإنشاء كنائس أو غيرها من دور العبادة كما هو الحال في دول العالم الأخرى، ولهذا استغلال المذهبية والإقليمية بين المجتمع السعودي تعتبر مدخلا ملائما لهم لإحداث الفوضى، وكذلك ما يتعلق بعمل المرأة وتركيب الأسرة ومفهوم الديمقراطية وتداول السلطة وتعزيز الاقتصاد وغيرها من الأمور التي تعتبر مرتعا خصبا لخلق الاختلاف الذي يقود لـ "الفوضى الخلاقة" التي يدعون إليها. ولعلي أعرج على هذا ومواضع أخرى حول النظرة المستقبلية للتنمية السعودية في ضوء رؤية أجندة القرن الواحد والعشرين وما يتبعها من توجهات وأخيرا بارك الله في الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء وعربي اللسان وإسلامي المعتقد وعالمي الطموح، والله من وراء القصد.

وقفة تأمل:
"قول الحقيقة قد يغضب بعض الناس لبعض الوقت، ومجاملتهم بالكذب قد يرضيهم لبعض الوقت، لكن أن تخسر أصدقاء بالصدق أفضل كثيرا من أن تكسب أعداء بالكذب".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي