تأثير رأس المال الاجتماعي على الأداء الاقتصادي
هل ضعف بنية رأس المال الاجتماعي في الدول العربية من أسباب ما حصل في بعضها مما سمي بالربيع العربي؟
سيسأل كثير من القراء أولا عن معنى رأس المال الاجتماعي.
رأس المال الاجتماعي مصطلح أو تعبير يعني باختصار المنفعة الاقتصادية الحاصلة جراء التعاون بين الأفراد والجماعات والمنظمات. وفسره البنك الدولي بأنه المنظمات والعلاقات والتوجهات داخل مجتمع بعينه، التي تصيغ نوعية وكمية تفاعلات اجتماعية في ذلك المجتمع. ومما يستهدف في دراسته التعرف على قيمة وفعالية العلاقات الاجتماعية ودور التعاون والثقة في تحقيق الأهداف الاقتصادية.
على الرغم من وجود أكثر من تعريف للمصطلح، إلا أنها تدور حول فكرة أساسية وهي أن للرأسمال الاجتماعي قيمة تؤثر على إنتاجية الفرد أو المجموعة.
أجريت بحوث كثيرة ليست في تخصص بعينه بل تجمع بين عدة تخصصات اجتماعية، وأعطت مقترحات بشأن مستوى العلاقة بين النمو الاقتصادي ورأس المال الاجتماعي.
وتتزايد الإثباتات التي تبين أن رأس المال الاجتماعي أمر حاسم في تطور المجتمعات وازدهارها الاقتصادي، كما أنه مؤثر في فعالية ونجاح المنظمات عامة، وخاصة عبر التأثير في رضا وأداء الأفراد داخل منظماتهم.
وأساس الأمر أن إرادة الأفراد/ المواطنين للتعاون فيما بينهم على أساس ثقة متبادلة، هذه الإرادة تظهر لها أهمية في تفسير كفاءة المؤسسات، والأداء الاقتصادي للمجتمعات الحديثة، التي تطورت فيها كثيرا مفاهيم الحقوق، واعتبارات المواطنة. وهناك عدد من الآليات التي من خلالها تبين كيف تؤثر القيم المدنية في الأداء ذي الطبيعتين الاقتصادية والاجتماعية.
اتساع في بنية الثقة داخل المجتمع، تعمل على خفض تكاليف الصفقات في الاقتصاد السوقي. كما تعمل على تخفيض أو تقليل عبء الوزن أو الثقل الميت/ المهدر جراء فرض ورقابة تطبيق ما اتفق عليه داخل وحدات المجتمع سواء كانت أفرادا أو منظمات. وتحفظ أو تعمل على تخفيف أضرار ما يمكن أن يحدث من سرقات وغش وخداع ونحو ذلك. ومن ثم، فللواحد أن يجادل مستندا إلى قوة في مجادلته، أن الثقة تعمل بقوة على تسهيل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية.
وعمل عدد من علماء في تخصصات اجتماعية/ اقتصادية على لفت الانتباه إلى العلاقة بين المبادئ المدنية أو الحضارية والأداء الاقتصادي السياسي. من أشهر من لفت الانتباه إلى العلاقة بين القيم المدنية والأداء السياسي الاقتصادي، الباحث بوتنام، في بحثه الذي نشرته جامعة برنستون الشهيرة عام 1993.
هذا اللفت جاء بعد دراسة تطبيقية عميقة أجراها على مناطق إيطالية، ناقش فيها الربط بين القيم المدنية التي يشكل فيها رأس المال الاجتماعي عنصرا أساسيا والتنمية الاقتصادية الاجتماعية. ويرى أن الظروف المدنية/ الحضارية مثل حقلا مغناطيسيا قويا، تبدو متدرجة، ولكنها في الوقت نفسه تعمل على دفع الظروف الاجتماعية - الاقتصادية إلى توافق، ومن ثم لوحظ أن التحديث الاجتماعي الاقتصادي مرتبط جدا ببنية المجتمع المدني.
الحديث السابق يقول وبقوة إن النمو العصري الاقتصادي للأقاليم الإيطالية يفهم ويفسر بصورة أحسن بواسطة الظروف المدنية في تلك الأقاليم خلال القرن التاسع عشر، بدلا من مستوى التطور الاقتصادي في ذلك الزمان. بمعنى آخر، يبدو البناء المدني في التأثير على التنمية الاقتصادية، يبدو أن له أهمية تفوق أهمية الجانب الاقتصادي المحض.
آخرون لهم رؤية تخالف بعض الشيء. قالوا إن ديناميكية (حركة) التنمية الرأسمالية والسياسات الحكومية ترتبط أكثر بالتنمية الاقتصادية الاجتماعية أكثر من القيم المدنية. هذا لا يلغي تأثير الأخير، لكنه يرى أن هناك مبالغة في أهميته.
وعملت دراسات خلال العقود الأربعة الأخيرة عن العلاقة بين رأس المال الاجتماعي والنمو الاقتصادي بأخذ عينات من دول كثيرة، ربما تصل إلى عشرات الدول، استنادا إلى أكثر من بناء نظري مختار للنمو الاقتصادي.
وأجمعت تلك الدراسات على وجود أهمية لا تنكر، وتبقى الخلافات في فهم تفاصيل هذه الأهمية.
وساعدت تلك الأبحاث على التنبؤ بالنمو الاقتصادي في العديد من الدول، في وجود عدد مختار من المتغيرات المتحكم فيها.
تبين أن رأس المال الاجتماعي في النهاية يمثل أو يعكس مجموعة من القيم الاجتماعية. وهذه القيم تمثل أهمية كبيرة في تفسير التغيرات في الأداء الاقتصادي بين الدول.
والنقاش ما زال مستمرا حول أهمية القيم المدنية والثقافة المجتمعية بأبعادها السياسية وغير السياسية في التأثير على الأداء الاقتصادي، وعلى أداء المنظمات الحكومية وغير الحكومية.