درس الفجيعة
سيمر وقت طويل قبل أن ينسى السعوديون جريمة الدالوة. لقد اختلفنا كثيرا وبحثنا عن كل المبررات الممكنة كي نرمي بعضنا بقلة العقل أو قلة الدين أو قلة العلم، وكل ما يستدعي الكراهية والتنافر.
لكننا لم نتخيل أن تلك الجهالات ستفضي إلى مذبحة علنية كالتي جرت في الدالوة. خسرنا في هذه الحادثة الأليمة 12 مواطنا. وهذا ليس سوى الدفعة الأولى من تكلفة باهظة سنضطر إلى تحملها ما لم نعمل سويا على لجم السفه المذهبي الذي أوصلنا إلى الفجيعة.
ربما نرمي الخارج بالمسؤولية عما جرى، لكن هذا لن يعالج علتنا. ربما نرمي تجار التغرير والفتن، لكن هذا لن يمنع تكرار الجريمة. ربما نجلد ذواتنا بالسياط، لكن هذا لن يغير المسار الذي أوصلنا إلى شواطئ نهر الدم. الذي يعالج العلة ويمنع تكرار الجريمة ويوقف الانزلاق إلى مستنقع الفتنة هو استراتيجية شاملة لتعزيز الوحدة الوطنية وتجريم دواعي الفتنة وأسبابها وكل ممارسة يمكن أن تشعلها أو تصب الزيت على نارها.
خلال الأيام الماضية أعاد كثير من الكتاب وأهل الرأي التأكيد على دعوات سابقة لوضع قانون لتجريم الكراهية، شبيه بما فعلته دول كثيرة. هذه دعوة صادقة يجب أن تسمع. وإني لأعجب أن مجلس الشورى الذي يضم نخبة البلد لم يتخذ مبادرة بهذه الأهمية، مع أن جميع المواطنين ينتظرون منه ذلك، وقد تصدى لأمور أنفق فيها وقتا طويلا وهي أقل أهمية وحرجا من مسألة الوحدة الوطنية التي لا استقرار ولا سلام ولا تنمية ولا مستقبل من دونها.
نحن بحاجة إلى قانون كهذا بلا شك. نحن بحاجة أيضا إلى استراتيجية وطنية شاملة لاجتثاث الكراهية. كل تنوع يؤدي إلى اختلاف. والاختلاف هو نقطة البداية للتنازع الذي قد يقود إلى الفتنة. لا يمكننا إيقاف التنوع لأنه سنة كونية، لكننا نستطيع تحويله إلى مصدر إغناء للشخصية الوطنية والثقافة. وهذا ما فعلته المجتمعات المتحضرة ولا سيما الصناعية.
إني أدعو بصورة محددة إلى إقامة هيئة ملكية لتعزيز الوحدة الوطنية تركز على ثلاث مهمات: 1) مهمة قانونية تتمثل في وضع إطار قانوني لتجريم الكراهية والممارسات المؤدية إليها. 2) مهمة إرشادية تركز على إصلاح السياسات واللوائح والأعمال الرسمية التي تثير الكراهية. 3) مهمة رقابية تتمثل في متابعة الممارسات التي تنطوي على أو تؤدي إلى الإضرار بالوحدة الوطنية وإحالتها إلى جهات الاختصاص، سواء القضائية أو الأمنية أو الإدارية.
ظروفنا الراهنة لا تحتمل التهاون مع مسببات الفتنة، وعلى الحكومة والمجتمع تبني مبادرات جادة لوقف الانزلاق إلى هذا المستنقع الخطير. نحن لا نستطيع التحكم في ما جرى فعلا، فهذا أصبح من التاريخ. لكننا نستطيع التحكم في مستقبلنا، بمنع تكرار مثل هذا الحادث المروع وحماية أنفسنا وبلدنا من أخطاره.