تطبيق الأنظمة حقق الانتقال السلس للسلطة

رحم الله فقيد الأمة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وجزاه خيرا على ما قدمه للوطن، والعالمين العربي والإسلامي، والإنسانية جمعاء، فقد أدرك بحكمته الكبيرة ورؤيته الثاقبة، بعد رحيل الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله - حاجة الوطن الكبيرة إلى قائد استثنائي، فبادر باختياره الموفق للأمير سلمان بن عبدالعزيز ليكون وليا للعهد آنذاك، عالما بأثره الإيجابي الكبير في المصلحة العامة في المدى القريب والمدى البعيد، ورأى العالم كله إجماع المواطنين على مبايعة الملك سلمان وتحقق النقلة الموفقة والسلسة في انتقال الحكم، واستقرار هذه الدولة المباركة.
الملك سلمان رجلُ أمة بكل المقاييس، وقائد من الطراز الرفيع، ورائد من رواد التنمية الشاملة، ورمز كبير من رموز السياسة والإدارة والقانون، والمجالات الحافلة بالعطاءات والإنجازات للملك سلمان على المستوى الرسمي والشعبي والخيري عبر عدة عقود مجالات كثيرة، وجوانب هذه الشخصية القيادية ومهاراتها الاستثنائية متعددة ولن نتمكن في هذا المقال من التطرق إليها، ولكن سأكتفي هنا بحكم التخصص بالإشارة سريعا إلى جانب مهم في هذه الشخصية القيادية لم يجد حقه من الاهتمام والدراسة وكذلك الإعلام على الرغم من أهميته والحاجة إلى الاهتمام بإبرازه، خصوصا في المرحلة القريبة القادمة، وهو الجانب النظامي وما يتضمنه من ضرورة تطبيق الأنظمة وتطوير ما يحتاج منها إلى تطوير، فالملك سلمان - حفظه الله - يتميز بالنظام والانضباط، ودائما ما يؤكد على نحو متكرر على من يعمل ويتعامل معه تطبيق النظام، ويحمّل كل مسؤول صغيرا كان أو كبيرا في نطاق مسؤوليته جميع ما يصدر منه، كما يؤكد على الجميع ضرورة الاطلاع على الأنظمة والالتزام بها والعمل على إنفاذ مضمونها، إضافة إلى تأكيد مقامه الكريم في حال صدر منه شخصيا أو من أي مسؤول أمر مخالف للأنظمة فعلى متلقي الأمر أن يُعرض عن ذلك فورا، وقد أكد مقامه الكريم ذلك في عدد من اللقاءات والخطابات. كما عرف عن الملك سلمان الحرص على منع أي تعارض في المصالح قبل أن يبدأ في أي عمل؛ حرصا على تحقيق النزاهة، والبعد عن تأثير العوامل الشخصية.
ويمكن القول إن اهتمام الملك سلمان بالجانب النظامي في حياته العملية، وحرصه على تطبيق الأنظمة وعدم مخالفتها يعد أحد أهم المفاتيح في هذه الشخصية القيادية الناجحة، ومن الواضح في هذا السياق قيام الملك سلمان بتعيين الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا للعهد؛ تنفيذا لما قضى به نظام هيئة البيعة، وكذلك تنفيذا لحيثيات الأمر الملكي القاضي بتعيين الأمير مقرن وليا لولي العهد.
ولا شك أن اهتمام الملك سلمان - حفظه الله - بالنظام وحرصه على تطبيقه على الكبير قبل الصغير يعد الباب الواسع لتحقيق العدل، وفائدته كبيرة يستفيد منها الوطن بمختلف مناطقه والمواطن أينما كان ومهما كان، وهذا الاهتمام من لدن المقام الكريم يحفزنا للقول: إنه على الرغم من اهتمام الدولة منذ تأسيسها بالجانب النظامي ووضعها الكثير من الأنظمة التي أثمرت بنية نظامية جاوزت 400 نظام، فإن تفعيلها لم يصل بعد إلى درجة مقبولة لأسباب مختلفة، منها ضعف جانب المساءلة، ومنها أن بعضا من هذه الأنظمة مضى على إصداره زمن طويل، وأصبحت في حاجة إلى مراجعة وإصلاح وتطوير بما يواكب المستجدات والتطورات في مختلف المجالات، وعلى نحو يعكس سياسات الدولة إزاء تلك المستجدات والتطورات فضلا عن توفير ما تتطلبه تلك الأنظمة من آليات ومتطلبات تكفل تفعيلها وتطبيقها على أرض الواقع.
كما يدفعنا إلى المطالبة بإلقاء الضوء على هذا الجانب المهم من هذه الشخصية القيادية والجدير بالنشر والتدوين، لما يحققه من فائدة وإسهام في نشر الوعي القانوني في المجتمع، وكذلك المطالبة بإجراء دراسة شاملة تستهدف تعزيز البنية النظامية في شتى المجالات بالمملكة، وتتضمن حصرا للأحكام النظامية التي تضمنتها الأنظمة واللوائح المقرة ولم تأخذ مكانها في حيز التطبيق، وكذلك دراسة الأسباب التي أدت إلى عدم تفعيل تلك الأحكام، وأساليب وطرق العلاج، بما في ذلك مراجعة الأنظمة القائمة، وتطوير ما يحتاج منها إلى تطوير، بما في ذلك الأنظمة الأساسية، أو وضع أنظمة جديدة تحتاج إليها الدولة في مختلف المجالات، خصوصا الأنظمة الموضوعية التي يترتب على غياب بعضها آثار سلبية متعددة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي