أهمية التنظيم القانوني للسياحة بالمشاركة بالوقت(2)
تناولنا في مقال سابق مفهوم وميزات نظام السياحة بالمشاركة بالوقت contrat de jouissance d`une unité de logement touristique a temps portage كوسيلة لترويج وتشجيع السياحة في السعودية, ونتناول في هذا المقال مسألة مهمة تتعلق بتنظيمه من الناحية القانونية.
إذ إنه من الملاحظ أن عقد التايم شير Time-sharing contract بدأ ينتشر في السعودية في الآونة الأخيرة, حيث تزاول بعض الشركات نشاط بيع وتسويق الوحدات السكنية المجهزة على أساس الانتفاع بها مدة محددة من الزمن خلال العام. وهذا يندرج في إطار اهتمام ولاة الأمر بقضية تفعيل السياحة الداخلية وتشجيع السائحين الأجانب على القدوم إلى المملكة للتعرف على الحضارة العربية الأصيلة ضمن الخطة الوطنية للسياحة التي تنفذها الهيئة العليا للسياحة مع الجهات ذات العلاقة.
وفي الحقيقة إن هناك العديد من الجوانب القانونية التي يُثيرها عقد الانتفاع بالوحدات السكنية بنظام المشاركة بالوقت (التايم شير), وهو عقد جديد, ومن ثم يجب أن تؤخذ هذه الجوانب القانونية في الاعتبار عند وضع تنظيم قانوني له:
أولاً: مدى اتفاق هذا النظام مع أحكام الشريعة الإسلامية, بوصفها المرجعية لكل المعاملات التي تتم بين الأشخاص في السعودية. ويُمكن القول إن هناك مسألتين أساسيتين في هذا الصدد هما: المسألة الأولى: تتعلق ببيع حق التملك لمدة زمنية محددة : والراجح أنه ليس هناك ما يمنع من ذلك, متى تم العقد بالاتفاق على تملك المشتري منفعة العقار لمدة معلومة محددة التاريخ, بشرط أن يتم تحديد مواصفات المباني وتحديد حقوق أطراف عملية البيع وحقوقهم. كما يجوز توارد عقود شراء حقوق تملك لمدة زمنية بحيث لا تزيد مددها على حجم المنافع مكاناً وزماناً في عقد البيع الأول. وليس هناك ما يمنع كذلك من تأجير تلك المنافع للغير, ولكن يلزم تعيين تاريخ الانتفاع بالوحدة لنفي الغرر الكبير عن الطرفين, ويكون للمستأجر حق الاحتفاظ بخيار الرؤية (راجع شرح منتهى الإرادات, ج 2, 248.262, ومجلة الأحكام الشرعية, المواد 35, 37, 68, 593, 604.594).
أما المسألة الثانية فتتعلق بمدى جواز بيع حصة مشاعة من عقار مع استخدام المنفعة المهيأة, ويمكن القول إنه يجوز طبقاً لما قرره فقهاء الشريعة الإسلامية بيع حصة مشاعة من عقار والاتفاق بين المالكين على استخدام المنفعة بطريقة المهايأة (وهي قسمة المنافع زمنياً أو مكانياً), سواء تم الاتفاق على المهايأة بين المالكين مباشرة أو من خلال الجهة الموكول إليها إدارة العقار المشاع (انظر شرح منتهى الإرادات, ج2 وص 397 ـ 398, ومجلة الأحكام الشرعية, المواد 294, 528).
ثانياً: ضرورة أن يتضمن التنظيم الجديد قواعد نظامية تكفل تحقيق الحماية الكافية للمستهلك السعودي أو المنتفع بالوحدة السكنية؛ بحيث يضمن عدم وجود حالات من الغش والتغرير به, ولاسيما أنه الطرف الضعيف أو المذعن في العقد؛ نظراً لأن الشركات القائمة على استغلال أو إدارة الوحدات السكنية بنظام اقتسام الوقت هي التي تُحدد مقدماً شروط العقد, وتقوم بطبعها في صورة عقود نمطية معدة سلفاً, ثم تعرضها على الراغبين في التعامل بنظام المشاركة الزمنية من خلال مكاتب للترويج السياحي, ولا يكون أمام هؤلاء سوى أحد أمرين: إما قبولها على ما هي عليه وإما رفضها والانصراف عن العقد, ما يعني أن هذا العقد يدخل ضمن طائفة العقود المعروفة باسم عقود الإذعان, وهي تلك العقود التي يكون فيها طرف قوي يفرض شروطاعلى الطرف الآخر الضعيف أو المذعن.
ثالثاً: أن يتناول التنظيم المقترح الصورتين الأساسيتين التي يظهر فيها هذا العقد, وهما: الأولى: عقد ملكية مشتركة أو ملكية شائعة, فيها يمتلك شخصان أو أكثر وحدة سكنية سياحية غير مفرزة حصة كل منهم فيها, ويكون كل منهم مالكاً حصته ملكية تامة؛ بحيث يكون له أن يتصرف فيها أو يستغلها أو يستعملها, في حدود المدة الزمنية المقررة له كل عام. والثانية: عقد شراء أو الانتفاع بوحدة سكنية لفترة محددة في العام أقلها أسبوع, مع إمكانية تغيير محل حق الانتفاع مكاناً ومدة زماناً, بحيث يستطيع المنتفع ممارسة حقه في السكنى على وحدة أخرى, في الوقت الذي يختاره من السنة.
رابعاً: يجب أن يتناول هذا التنظيم القانوني العلاقات الناشئة عن نظام التايم شير, سواء العلاقة القائمة بين المنتفع (المشتري الوحدة العقارية) والمنتجع السياحي, أو بين الشركات القائمة بعملية التسويق والمنتجع السياحي, أو بين المنتفع (المشتري الوحدة العقارية) والشركة القائمة بعملية التسويق, بحيث يتم تحديد حقوق كل طرف والتزاماته تجاه الطرف الآخر, ويجب أن يكون للغرف التجارية الصناعية في السعودية وللجنة الوطنية للسياحة دور فاعل في التصدي للدعاوى والشكاوى الناشئة عن هذا النشاط على المستويين المحلي والدولي, ويلزم كذلك تفعيل دور وزارة التجارة والصناعة في هذا المجال.
وأصدرت بعض الدول الأوروبية تنظيماً قانونياً لهذا النوع من العقود, مثالها القانون الفرنسي الصادر في 6 /2/1986, ولعام 1998, والإنجليزي لعام 1992, والقانون الألماني لعام 1996, والتوجيه الصادر عن البرلمان الأوروبي في 26 تشرين الأول (أكتوبر) 1994.
ومما لا شك فيه أن وجود هذا التنظيم القانوني سيسهم في تشجيع السياحة الداخلية, ويدعمها باعتبارها رافداً من روافد الاقتصاد الوطني. ولكن فاعليته تتطلب عمليات ترويج محلياً وخارجياً لإظهار ميزاته, بحيث يُصبح العاملون في النشاط السياحي على دراية تامة بالبرامج والمنتجعات السياحية المتوافرة لدى المملكة على مدار العام, مع توفير الكوادر الوطنية المؤهلة والمدربة في مجال العمل السياحي.