الحوار.. مصطلح جديد!
كثر في السنوات الأخيرة طرقُ موضوع الحوار وكأنّه لفظٌ حادثٌ أو كلمةٌ جديدةٌ نودُّ إضافتها إلى قواميس اللغة العربية، فأصبح الصغيرُ والكبير يرددها والمسؤول وغيره ينشدها.
وزاد المطالبون بالحوار بضرورة إيجاده وتفعيله وتحويله إلى واقع مشاهد وإحيائه لدى الجميع، وأنا أظن أننا بحاجة إلى أن نتعلم ونتدرب على أبسط مهارات الحوار، وأن نقف على مفرداته وأدبياته وأهمها الإنصات، فمما نشاهده في مجالسنا أن الكثيرين لا يُحسنون الصمت وربما هم ممن يحفظ الحكمة القائلة " الصمت حكمة وقليل فاعله "، في المقابل تجدهم يتفننون في الكلام بألوانه وأشكاله ويستعرضون أشداقهم وهي تلوك الألفاظ جيئةً وذهاباً، ولكم تمنيت أن نتعلم الصمت كما تعلمنا الكلام...
إن هناك أموراً عدة يلزم أن نجعلها عادة حياتية ومن أهمها الحوار ومهاراته.
ومن زاوية أخرى المسؤولية تقع بشكل واضح وبيّن على الآباء والمربين في تنشئة أبنائهم منذ نعومة أظفارهم ومن ذلك مجالسة الآخرين والحديث إليهم والاستماع لهم وعلى تعلم الصمت كما تعلموا الكلام.
وكم رأيت وسمعت من ينهر ابنه ويزجره ويمنعه من مجالسة الرجال... (رح عند أمك !)
وكم رأيت وسمعت معلما يصرخ في وجوه طلابه آمراً لهم بعدم الحديث معه أو الرد عليه وإنما التنفيذ وحسب، وكأنه في ثكنة عسكرية يترقب العدو (ولا واحد يتكلم !).
وكم رأيت وسمعت أما تعنف ابنتها وتدعوها إلى الصمت وعدم الكلام (مالك علاقة !) فأضافت إلى حيائها الفطري شيئاً من الخوف والتوجس.
وكم رأيت وسمعت مديراً يرفض أن يحاوره أحد موظفيه وإنما عليهم السمع والطاعة (مهوب شغلك !).
إن للحوار آداباً قد يجهلها الكثير ولعل من أساس ثقافة الحوار تعلم أبجدياته وأعلاها أهميةً الإنصات وعدم الاحتقار والازدراء وعدم رفع الصوت ووجوب التلطف... إلخ
ولو أردنا أن نُغيّر مجرى حديثنا فإنني أقول لماذا نبتعد كثيراً ونتهم الأبناء بعدم إجادة لغة الحوار مع أن الأمر في ظني عملية تراكمية، فالآباء كما يُقال (سبب البلاء) وهم – كغيرهم – بأمس الحاجة لمعرفة الموضوع وتفاصيله.
لا يكفي فقط أن نتحاور لأن الحوار ليس هدفاً، بل هو وسيلة للوصول إلى ما نريد !! والمهم في نظري هو: كيف نتحاور؟ ولماذا نتحاور؟ وعلى ماذا نتحاور؟