"تقنيات الاتصال والتغير الاجتماعي" ونظرة إلى ما يحدث في غزة
تعقد جامعة الملك سعود في شهر ربيع الأول القادم، مُؤتمراً علمياً حول "تقنيات الاتصال والتغير الاجتماعي". ويقوم قسم الإعلام في كلية الآداب في الجامعة بالإعداد لهذا المُؤتمر المهم. وللمُؤتمر أبعاد رئيسة أربعة تشمل التعريف بتقنيات الاتصال الحديثة ودورها في تطور وسائل الإعلام، والتأثيرات الإعلامية والاجتماعية والتربوية والسياسية لهذه التقنيات، ثُم تأثيرات البيئة الاجتماعية في استخداماتها، إضافة إلى العلاقة بين تقنيات الاتصال والهوية الثقافية والفجوة المعرفية.
وتُغطي أبعاد المُؤتمر هذه مدى واسعاً من الموضوعات البحثية التي يُمكن طرحها ومُناقشتها ودراسة مدلولاتها وتكوين وجهات النظر بشأنها، وربما وضع تصورات وتوجهات لتطوير الأثر الإيجابي لتقنيات الاتصال وتفعيله، والحد من أثرها السلبي والسعي إلى تحجيمه.
وقد تطورت تقنيات الاتصال خلال القرن الأخير بشكل ربما يُمكن وصفه بالمُدهش. ولم يكن هذا التطور علمياً إبداعياً فقط، بل كان تقنياً تسويقياً أيضاً حوّل الاكتشافات والأفكار الجديدة إلى مُبتكرات ومُنتجات قابلة للتسويق والانتشار، بحيث يستطيع كل إنسان اقتناءها وتحمل تكاليفها مُقابل ما تُقدمه من خدمات. هذا الانتشار هو جوهر التأثيرات الذي سيطرحها المُؤتمر. فبالأجهزة والأنظمة التي يقتنيها المُستخدم، وبالأجهزة التي توفر خدمات المعلومات وخدمات توصيلها، بات العالم كما يصفه الكثيرون قرية صغيرة يستطيع كل إنسان الإطلال عليها عبر شاشة التلفزيون أو شاشة حاسوب الإنترنت، أو ما يصل إليه من صفحات تُطبع عبر المسافات من خلال مُنتجات تقنيات الاتصالات والمعلومات.
ولا شك أن صورة القرية الصغيرة التي نراها عبر شاشة التلفزيون أو شاشة الإنترنت ليست دائماً صورة حقيقية، بل هي صورة تراها عيون أخرى قبل أن تسمح لعيوننا برؤيتها. ولهذا بالطبع أثر في الإنسان، لأنه يرى ويسمع ما هو مُتاح له، ولا يعي ما هو غير مُتاح. ولعل تعدد وسائل الإعلام عنصر إيجابي مهم، لأن الإطلال على العالم ربما يختلف بين شاشة تُطل على هذه النافذة، أو شاشة أخرى تُطل على نافذة مُختلفة. فرؤية النافذتين المُختلفتين أو أكثر ربما تُوسع الدائرة المعرفية وترفع مستوى الوعي.
وقد عشنا أخيرا أياما عصيبة على شاشات التلفزيون وشاشات الإنترنت على وقع جرائم إسرائيل في غزة. شاهدنا الجرائم الجماعية تُرتكب، وشاهدنا ضحاياها ومآسيها. وشاهدنا من يتعاطف مع الضحية ويسعى إلى الأخذ بيد المُصابين، وشاهدنا في الوقت ذاته من يقف مع الجزار ويتعامى عن الضحية. لقد أعطانا ما جرى حالياً صورة عما كان يجري بالأمس من جرائم ارتكبتها إسرائيل ولم تراها كاميرات الإعلاميين.
إن للجرائم التي شاهدناها على شاشات التلفزيون وشاشات الإنترنت أثراً كبيراً فينا وفي أبنائنا. ولا بُد لهذا الأثر أن يُترجم إيجابياً. لماذا نترك لأصحاب الروح الإجرامية في إسرائيل أن يتفوقوا علينا علمياً وتقنياً وقدرة على الاتصال والتواصل مع الآخرين، بحيث يستطيعون ارتكاب الجرائم ويحدون في الوقت ذاته من الغضب الإنساني العالمي الذي يجب أن يكون عارماً؟ لماذا لا نحرص نحن على التفوق العلمي والتقني والتواصلي أيضاً كي نمنعهم من ارتكاب جرائمهم؟ نحن لا نتمتع مثلهم بروح إجرامية، لكننا يجب أن نمتلك إرادة التقدم والتضامن لمنع هذا الإجرام.
نأمل من مُؤتمر "تقنيات الاتصال والتغير الاجتماعي" أن يتضمن أبحاثاً تُلاحظ وتُدقق وتُحلل وتنظر إلى الماضي والحاضر، وتضع لنا تصورات لمُستقبل أفضل. نريد أن نستثمر التأثيرات الإيجابية لتقنيات الاتصال، ونريد أن نحد من التأثيرات السلبية. ولا بد من القول هنا إن وسائل الاتصال وسائل مُحايدة تتحدد هويتها وأهدافها وما تسعى إليه من تأثيرات من خلال الهوية التي تملك هذه الوسائل وتديرها وتقدمها بعد ذلك إلى الجميع بأساليب مُختلفة.