تقنيات المعلومات والاتصالات والأهداف الإنمائية للألفية

من وجهة نظري الشخصية أن يصعب مقياس التنمية ورصدها ووضع أهدافها المستقبلية والخطط التنموية في معزل عن "الأهداف الإنمائية للألفية" أو "الأهداف الألفية للتنمية". ففي شهر أيلول (سبتمبر) من عام 2000، شهد مبنى الجمعية العمومية للأمم المُتحدة اجتماعاً لمُمثلي "189 دولة" بينهم "147 رئيس دولة" بغرض تحديد أهداف للتنمية الشاملة المستدامة مع بداية ألفية جديدة في التقويم الميلادي. وقد وضع الاجتماع ثمانية أهداف رئيسة للتنمية دُعيت "بالأهداف الإنمائية للألفية". وقد جرى تقسيم هذه الأهداف الثمانية الرئيسة إلى ثمانية عشر هدفاً فرعياً. ويقول الهدف الفرعي الثامن عشر منها بوجوب "توفير فوائد التقنيات الحديثة، وخصوصاً تقنيات المعلومات والاتصالات".
ولاشك أن التركيز على فوائد تقنيات المعلومات والاتصالات قد جاء نتيجة الإدراك المُتعارف عليه على المستوى الدولي بأن استخدام هذه التقنيات يُساعد على تعزيز مسيرة التنمية في شتى المجالات. فهذه التقنيات إن توفرت، وإن توفر لها الاستخدام الفاعل، تُسهم في تحقيق التنمية المنشودة. ويشمل ذلك تحسين إدارة التنمية وجعلها أكثر تسارعاً، وأقل تكلفة، وأفضل نوعية، إضافة إلى فوائد أخرى تعتمد على مجال التنمية وطبيعة دور تقنيات المعلومات والاتصالات في تفعيلها.

ويحتاج التخطيط من أجل استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات بشكل فاعل، إلى فهم حالة هذا الاستخدام الراهنة من خلال مجموعة من العوامل المُرتبطة به. فهذا الفهم يُتيح معرفة نقاط الضعف التي تحتاج إلى تحسين كي يكون الاستخدام بالمستوى المطلوب. وقد وضع الاتحاد الدولي للاتصالات مُؤشراً لهذا الاستخدام يتكون من خمسة عوامل رئيسة تعتمد على ثمانية مقاييس مُحددة. ويُدعى هذا المُؤشر "بمُؤشر النفاذ الرقمي"؛ والمقصود بالنفاذ الرقمي هنا هو إمكان الوصول إلى تقنيات المعلومات واستخدامها والاستفادة منها.
تشمل العوامل الخمسة الرئيسة لمُؤشر النفاذ الرقمي: البنية الرقمية الأساسية المتوفرة، ومستوى النفاذ إلى الإنترنت، وتكاليف استخدامها، ومستوى سعة قنوات الاتصال المتوفرة، إضافة إلى المستوى المعرفي في الدولة المعنية. وسوف نُلقي الضوء فيما يلي على المقاييس المرتبطة بكل عامل من هذه العوامل الخمسة.
طبقاً لتوصيات الاتحاد الدولي للاتصالات، تُقاس البنية الرقمية الأساسية بعدد الهواتف الثابتة وكذلك عدد الهواتف الجوالة لكل مائة من السكان، ويُحدد الاتحاد مرجعية عليا لهذين المقياسين. فمرجعية الهواتف الثابتة هي "60 هاتفا ثابتا" لكل مائة من السكان، ومرجعية الهواتف الجوالة هي "100 هاتف جوال" لكل مائة من السكان. أما عامل مستوى النفاذ إلى الإنترنت فقد وُضع له مقياس واحد هو عدد مشتركي الإنترنت لكل مائة من السكان، ومرجعيته العليا هي "85 مُشترك" لكل مائة من السكان.
ونأتي إلى عامل تكاليف الاستخدام، فلهذا العامل أهمية قصوى في التشجيع على الاستخدام إذا كانت هذه التكاليف معقولة بالنسبة للدخل، أو إعاقته إذا كانت التكاليف مُرتفعة. ويُقاس هذا العامل بنسبة تكاليف استخدام الإنترنت لمدة "20 ساعة شهرياً" إلى الدخل الشهري للفرد. والحالة المرجعية المثالية التي يتطلع إليها الاتحاد الدولي للاتصالات هي أن يكون استخدام الإنترنت مجانياً للاستفادة منها على أفضل وجه مُمكن.
أما عامل سعة القنوات المتوفرة لاستخدام الإنترنت، فيُحدد قيمة مرجعية لهذه السعة هي "عشرة آلاف بت في الثانية" لكل فرد من السكان، وقد استطاعت بعض الدول تجاوز هذه المرجعية. ومنها على سبيل المثال السويد وكذلك الدنمارك وغيرها. وهناك مقياس آخر أيضاً للسعة هو عدد المشتركين بخدمات السعة العريضة أو المُرتفعة لكل مائة من السكان، والقيمة المرجعية لهذا المقياس هي "30 مُشتركا" لكل مائة من السكان.
وهناك أخيراً في مُؤشر النفاذ الرقمي عامل المستوى المعرفي، فالسكان الأكثر تعليماً أقدر على استخدام تقنيات المعلومات والاستفادة منها. ولهذا العامل، طبقاً للاتحاد الدولي للاتصالات، مقياسان هما: عدد المسجلين في مراحل التعليم المُختلفة في إطار الفئة العمرية، والقيمة المرجعية لهذا المقياس هي "100 في المائة"؛ ونسبة المتعلمين ممن تجاوزوا الخامسة عشرة من العمر، والقيمة المرجعية لهذا المقياس هي أيضاً "100 في المائة".
ولعلنا نقول أخيراً إن علينا أن نهتم باستخدام تقنيات المعلومات والاتصالات استخداماً فاعلاً يُسهم ليس فقط في مواكبتنا لمسيرة التطوير على مستوى العالم، تبعاً للأهداف الانمائية للألفية، بل في تقدمنا لهذه المسيرة، حرصاً على مكانة أفضل لوطننا بين الأمم. وعوامل التطوير أمامنا واضحة للعمل على تحقيق طموحاتنا المنشودة، بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي