مثلث الخطر العالمي
يعتمد الاقتصاد العالمي على شبكة مترابطة تضمن التدفق الحر للسلع والخدمات ورؤوس الأموال بين الدول، لكن هذا النظام يواجه تحديات بنيوية متزايدة تهدد استقراره.
في قلب هذه التحديات يبرز "مثلث الخطر العالمي"، إطار يجمع 3 تهديدات رئيسية تشكل خطراً كبيرا على النظام الاقتصادي العالمي، ويعتبر الأخطر على الإطلاق من المنظور الاقتصادي.
يتكون هذا المثلث من 3 ظواهر اقتصادية متشابكة: الحمائية الجمركية، حرب العملات، وتقييد حركة الأموال، هذه ليست مجرد عقبات اقتصادية مؤقتة، وإذا ما ظهرت هذه المتلازمة، أي عناصر المثلث مجتمعة في الإعلام الاقتصادي العالمي، كانت دليلا خطيرا على توترات عميقة بين الدول الرئيسية.
من منظور الاقتصاد السياسي، يجسد هذا المثلث أزمة هيكلية في النظام الرأسمالي العالمي، حيث يولد التصادم بين المصالح الوطنية وديناميكيات الأسواق اختلالات تؤدي إلى انقسامات تعصف باستقرار الاقتصاد الدولي ونموه، وقد تؤدي إلى صراعات مباشرة إذا تفاقمت.
يمتلك الرئيس الأمريكي نفوذاً واسعاً في السياسة الخارجية، رغم أن الدستور الأمريكي يحصر صلاحية الحرب في الكونجرس، لكن هذه السلطة انتقلت تدريجياً إلى الرئيس لتلبية الحاجة إلى السرعة والسرية.
كذلك تنازل الكونجرس منذ ثلاثينيات القرن الماضي عن معظم صلاحياته في التفاوض التجاري للسلطة التنفيذية، مع تدخلات دورية في قضايا مثل السيارات والصلب عندما تهدد الواردات الوظائف المحلية.
هذا التفويض فتح باب تصعيد الحروب الحمائية الحالية، وأشعل فتيل التوترات التجارية بين أمريكا والصين والدول الأخرى وتسبب في اضطرابات كبيرة في التجارة العالمية. وتاريخياً، لعبت الحمائية دوراً محورياً في انهيار الاقتصاد العالمي خلال الكساد الكبير، واليوم تستعيد التوترات السياسية والاقتصادية إنتاج نفس المخاطر.
حرب العملات تشكل الضلع الثاني في مثلث الخطر العالمي، حيث تخوض الدول صراعاً نقدياً شرساً لتعزيز تنافسيتها وزيادة صادراتها، عندما تتعمد دولة خفض قيمة عملتها أو التلاعب بأسعار الصرف لتحقيق ميزة تنافسية، فإن هذا التعديل المصطنع يحدث خللاً في النظام النقدي العالمي، وبالتالي يؤدي إلى تسابق تنافسي خطير بين الدول في الخفض، ويشعل تضخما داخليا رهيبا داخل الاقتصاد؛ ما يولد أزمات اقتصادية واجتماعية عميقة ويزيد من أعباء الديون الخارجية.
وهذا العنصر على الرغم من خطورته إلا أنه قد يدفع بالدول إلى البحث عن بديل، مثل العملات الرقمية أو العودة إلى الذهب على الرغم من صعوبة ذلك، والدول المرشحة لإشعال فتيل حرب العملات هي كل من الصين واليابان لزيادة صادراتهما أمام حمائية أمريكا.
أما تقييد حركة الأموال، الضلع الثالث في مثلث الخطر العالمي، فيهدد العولمة المالية، إحدى ركائز الاقتصاد العالمي الحديث، عندما تلجأ الدول لفرض قيود لمنع خروج رؤوس الأموال أو الحد من تدفقها سواء عبر ضرائب على التحويلات أو تجميد الأصول، وهذا السياسات تفرض لأسباب اقتصادية مثل الحفاظ على الاحتياطي من النقد الأجنبي أو سياسة العقوبات الاقتصادية، لكن انتشار هذه القيود بين الدول يطلق موجة هروب جماعي لرؤوس الأموال وانهيار العملات المحلية، ويغذي التضخم على المدى الطويل، واذا ما تفاقمت الأمور فالدول المرشحة إلى جانب أمريكا لفرض هذا النوع من القيود هي الدول الصناعية بما فيها مجموعة العشرين ودول أخرى.
في الختام: فإن تفاقم الحمائية التجارية أحد أضلاع "مثلث الخطر العالمي" واندماجها مع ضلعي حرب العملات وتقييد حركة الأموال سيؤدي -إلى جانب الأزمات التجارية الحالية- لإشعال أزمات نقدية وتضخمية مدمرة، وبدون إصلاحات عالمية عاجلة، سيظل هذا المثلث يهدد استقرار جميع الدول المتقدمة والناشئة.