جدوى التقنية والحوكمة المطلوبة
لا شك أن هُناك أسباباً كثيرة لاستخدام تقنيات المعلومات، وتأتي هذه الأسباب من فوائد مُتعددة الأبعاد تُقدمها هذه التقنيات. هُناك فوائد "مادية" ترتبط بتحسين أداء المُؤسسة التي تستخدمها في كل من نشاطاتها الداخلية وعملياتها الخارجية. ومن هذه الفوائد سرعة تنفيذ النشاطات المُختلفة، وتوفير الزمن، وتخفيض تكاليف التنقل، والحد من الأوراق المُستخدمة، وغير ذلك. وهناك أيضاً فوائد "نوعية" مثل حفظ المعلومات إلكترونياً بأكثر من نُسخة، وفي أكثر من مكان، وسهولة استرجاعها بعد ذلك؛ ويُضاف إلى ذلك سهولة الحصول على المعلومات وتكوين رؤى مُتكاملة في القضايا المُختلفة تُسهم في اتخاذ القرارات السليمة. ثُم هناك فوائد "التواصل" الفعّال بين أقسام المُؤسسة داخلياً، وكذلك خارجياً بين المُؤسسة والمُؤسسات الأخرى. ونظراً لانتشار استخدام تقنيات المعلومات انتشاراً واسعاً، فإن أي مُؤسسة لا تستخدم هذه التقنيات تُصبح معزولة رقمياً عن المُؤسسات الأخرى وتفقد مزايا التعاون والعمل المُشترك معها.
وبالرغم من الفوائد التي يُمكن أن يُقدمها استخدام تقنيات المعلومات، إلا أن هناك سؤال هام يطرح نفسه أمام كُل مُؤسسة تستخدم هذه التقنيات سواء في نشاطاتها الداخلية أو في عملياتها الخارجية، أو ربما الاثنتين معاً. ويتلخص هذا السؤال بكلمات قليلة "ما هي جدوى استخدام تقنيات المعلومات". ويصبح السؤال أكثر إلحاحاً عندما تكون تكاليف هذا الاستخدام مُرتفعة، والفوائد غير محسوسة بالقدر الكافي، بحيث لا تبدو كفاءة الاستخدام مُرضية لإدارة المُؤسسة، أو ربما لا يكون الاستخدام حسناً، أو كما يجب أن يكون، مما يذهب بالفوائد، بعضها أو جُلها، أدراج الرياح.
في مواجهة هذا التساؤل العام والمهم، حلل بحث حول الموضوع السؤال السابق إلى أربعة تساؤلات، وطلب من "256 مُؤسسة" الإجابة عنها، بهدف معرفة مستوى رضا المُؤسسات المُختلفة عن "جدوى استخدام تقنيات المعلومات فيها". وقد تم إجراء البحث من خلال "مركز أبحاث أنظمة المعلومات" التابع "لمعهد ماساشوستس التقني MIT" الذي يُعتبر أحد أبرز جامعات العالم، والذي تضعه بعض التصنيفات الجامعية المرموقة في المركز الأول.
شملت تساؤلات "جدوى استخدام تقنيات المعلومات" ما يلي: تساؤل حول مستوى "المردود المادي" لاستخدام هذه التقنيات في المُؤسسة المعنية؛ وتساؤل آخر حول مستوى أثر الاستخدام في "تطوير المُؤسسة"؛ ثُم تساؤل حول أثر الاستخدام في"الاستفادة من إمكانات المُؤسسة"؛ إضافة إلى تساؤل رابع وأخير حول مستوى أثر الاستخدام في "مرونة المُؤسسة" في أدائها لأعمالها. وهكذا نجد أن هذه الدراسة لخصت جدوى تقنيات المعلومات في أربعة أسس: المردود المادي، والأثر على كل من تطوير المُؤسسة، والاستفادة من إمكاناتها، ومرونتها في العمل. وتقول نتائج البحث أن مستوى الجدوى طبقاً لهذه الأسس، في إطار المُؤسسات التي أُخذت في الاعتبار، وصل إلى متوسط قدره "69 في المائة".
إن رفع مستوى جدوى استخدام تقنيات المعلومات هو الغاية الرئيسة لما يُعرف اليوم "بحوكمة Governance" هذه التقنيات. والحوكمة كلمة مُشتقة من "الحُكم to Govern"، وهذه الكلمة مأخوذة عن اللغة اليونانية وتعني "عملية التوجيه to Steer". وعلى ذلك، فعندما نقول "حوكمة تقنيات المعلومات" إنما نعني "توجيه استخدام هذه التقنيات بما يُحقق الجدوى المنشودة من هذا الاستخدام".
وإذا كانت الدراسة سابقة الذكر قد عرّفت أربعة عناصر عامة لتحديد جدوى استخدام تقنيات المعلومات، إلا أن مُؤسسات مُتخصصة أخرى دخلت في التفاصيل، فلم تكتفِ بتحديد العناصر العامة للجدوى فقط، بل قامت بتوسيع الرؤية لتشمل عناصر تفصيلية تهتم بكيفية الوصول إلى الجدوى المنشودة. ومن هذه المُؤسسات: المؤسسة البريطانية الحكومية التي تُدعى "بمكتب التجارة الحكومية OGC"، والمُؤسسة الأمريكية المهنية: "معهد حوكمة تقنيات المعلومات ITGI"، إضافة إلى "هيئة المواصفات والمقاييس الدولية ISO". وستكون لنا عودة إلى ما قامت به هذه المُؤسسات في موضوع حوكمة تقنيات المعلومات في مقالات أخرى قادمة بإذن الله.