حقوق الموظف المالية والمعنوية عند نهاية الخدمة
لقد كرم الله ـ سبحانه وتعالى ـ الإنسان وفضله على سائر خلقه، في نواح عدة: فقد أسجد له ملائكته، وزوده بالعقل والحكمة، كما فضله بالشكل السوي، وطلب منه أن يعمر الأرض، وسخر له الدواب، والفلك، ورزقه من الطيبات والثمرات، هذه المكانة الرفيعة التي حظي بها الإنسان عند خالقه ـ جل وعلا ـ لا تجد لها حيزا ًفي أخلاقنا الاجتماعية وفي تعاملاتنا مع إخواننا من بني الإنسان، خاصة عندما يكون التعامل بين رئيس ومرؤوس أو بين صاحب عمل وموظف.
فقد أصبح المألوف لدينا أن نسمع من حين إلى آخر عن التعاملات اللاإنسانية وعدم الاحترام وهضم الحقوق المادية والمعنوية من جانب بعض من أصحاب المنشآت الصغيرة مع موظفيهم. فكم من مرة أتيحت لي فرصة الحديث مع بعض العاملات ممن تركن العمل في المدارس الأهلية بعد أن عملن بها لعدد من السنوات، وكان سؤالي لهن هو: هل حصلن على مكافأة نهاية الخدمة التي أشار إليها الفصل الرابع من الباب الخامس في نظام العمل الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م /51) وتاريخ 23/8/1426هـ؟ وكانت الردود دائماً تأتيني بأنهن لا يعرفن عنها شيئا، أو أنهن طالبن بها، ولم يحصلن عليها. ولا يوجد لديهن قريب من الذكور متفرغ كلياً ولديه الوقت والجهد ليصمد أمام متاهات الروتين الإداري ويتابع التظلم الذي ترفعه لجهات الاختصاص ضد صاحب المنشأة.
حاولت بتفكيري المتواضع أن أجد أسباباً لهذه الظاهرة المألوفة، ووجدت لها سببين رئيسين هما: الموظفة وصاحب المنشأة الصغيرة، أما الموظفة فهي حين مباشرتها العمل تجتهد لمعرفة جوانب عديدة في العمل مثل: نوعه، وعدد ساعاته، ومزاياه وأنواع الإجازات، أما الحقوق المالية والمعنوية عند نهاية الخدمة فهي إما غائبة عن تفكيرها أو تتركها لوقتها. أما صاحب المنشأة الصغيرة فيكون هو الآخر سبباً في تفشي هذه الظاهرة، فهو غالباً يحتفظ بالضوابط الخاصة بالحقوق المالية والمعنوية عند ترك الخدمة في ذهنه ويتعامل مع كل حالة من حالات ترك الخدمة من منظوره الشخصي وحالته المزاجية، ما يترتب عليه هضم لحقوق الإنسان الذي كرمه الله.
من المعروف أن سياسات وأنظمة إدارة الموارد البشرية في غالبية المنشآت الكبيرة تعدها أقسام ووحدات إدارة الموارد البشرية، حيث تكون مكتوبة في دليل أو كتيب إرشادي يسمى بدليل الأفراد أو قواعد العمل أو نظام الموظفين وغيره، والتساؤل الذي أطرحه لماذا لا تطبق المنشآت الصغيرة مثل هذا الأسلوب في التعامل، أم أن حقوق الأفراد العاملين ليس لهم الأهمية نفسها مثلما للإنتاجية والربح؟ قد يرد بعض من أصحاب المنشآت الصغيرة على تساؤلاتي مبرراً أن قلة عدد العاملين لا يشجع من الناحية الاقتصادية على استحداث وظيفة أو قسم متخصص لإدارة الموارد البشرية، ولذلك يقوم مالك المنشأة في أغلب الأحيان بالتعامل مع طلبات العاملين واحتياجاتهم لكل حالة على حدة، وقد يبرر البعض أيضاً أن قلة الخبرة والتجربة لمالك المنشأة هي السبب الرئيس، ومع تقديري لمثل هذه المبررات فإن ذلك لا يمنع من أن تستعين المنشآت الصغيرة بالمختصين من خارجها للعمل على إعداد أدلة مكتوبة تشتمل على السياسات والأنظمة والحقوق والواجبات والخدمات المختلفة التي تقدم للعاملين وإجراءات الحصول على كل حق، حيث تكون ثابتة ومفهومة ومعلنة للجميع، وتمثل مرجعاً للعاملين ولصاحب المنشأة في كل مرحلة من مراحل العمل ابتداء من اليوم الأول حتى آخر يوم. ولن أبالغ إذا قلت أن تكلفة إعداد مثل هذه الأدلة لا تقارن بالعائد منها، إذ تعمل على توفير وقت مالك المنشأة وجهده للرد على حالات التظلم والمشكلات المصاحبة لها، فضلاً عن الانعكاسات السلبية للتظلمات على سمعة المنشأة لدى منافسيها أو على من يطلب العمل فيها مستقبلاً.
أستاذة في الجامعة العربية المفتوحة
استشارية تربوية وتعليمية