الربط بالدولار...خيار استراتيجي أم تكتيك لتعديل مسار؟!
لا يخفى على من له صلة بالاقتصاد ما لسعر الصرف من أهمية حيوية في التأثير في حركة التجارة الخارجية وما يتبع ذلك من تأثير في مستوى الأسعار المحلية، وعليه فالقرار الاقتصادي الرشيد هو الذي يأخذ في الحسبان كل العوامل المُحيطة الداخلية والخارجية وكذلك التكاليف بما فيها تكاليف الفرصة البديلة. من المعلوم أن موضوع الربط بالدولار يثور ويهدأ بناء على نسبية التضخم العالمي، فالكل أدلى بدلوه ما بين مؤيد ومعارض. ومن هذا المنطلق يجدر بنا الإشارة إلى أن قرار الربط بالدولار أو سلة من العملات يحمل في ثناياه عديدا من السلبيات والإيجابيات. فمن حيث المبدأ الربط بعملة فيه من السهولة بحيث يُقلل من تقلبات سعر الصرف بين العملتين ويسهل التبادل التجاري والاستثماري, خاصة أن تسعير النفط يتم بالدولار, وكما يُسهل التنبؤ بالإيرادات المستقبلية أيضاً، لكن تكتنفه سلبية رئيسة وهي تقلب العملة الوطنية بطريقه غير مباشرة مع تقلبات العملات الأخرى أمام الدولار ما ينعكس سلبا على أسعار الواردات. من الناحية العملية الربط بسلة من العملات هو الأفضل كون الدولار فقد جزءاً كبيراً من قيمته خلال السنتين الأخيرتين, لكن مشكلة السلة هي عدم قدرتها على عكس الاختلالات النقدية في سوق النقد كونها مرتبطة باتجاهات التجارة، كما لا توفر الضمانات الكافية ضد التضخم المستورد. في الواقع شهد الدولار تقلبات حادة وتحسنا نسبياً في الفترة الأخيرة أمام اليورو والين الياباني، هذه التقلبات السلبية وغير المتوازنة في القوة الشرائية للدولار تخدم الاقتصاد والمصالح الأمريكية على وجه الخصوص، بمعنى آخر البضائع اليابانية والأوروبية تصبح عالية ويقل الطلب عليها من قبل المستهلك الأمريكي، بينما تصبح البضائع الأمريكية للأوروبيين واليابانيين أرخص مقارنة بالأمريكية ما يرفع الطلب على البضائع الأمريكية وسيتبعه تحسن العجز في الميزان التجاري الأمريكي. تُمثل الإشارة إلى بعض خصائص الاقتصاد السعودي أهمية بالغة كونها ستؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في النظام النقدي المحلي والحاجة إلى سعر صرف يحقق المصالح الوطنية. الاقتصاد الوطني مفتوح بما فيه الكفاية، فهو يعتمد بشكل أساس على الواردات من الأسواق الخارجية لتلبية احتياجاته المحلية, فعلى سبيل المثال لا الحصر تستورد المملكة ما نسبته 15 في المائة من الأغذية, وما نسبته 24 في المائة من المعدات والمكائن من إجمالي الواردات لعام 2005، أما الصادرات فيهيمن عليها النفط الذي بلغ نحو 74 في المائة من إجمالي الصادرات لعام 2004. إذاً اقتصادنا في الأساس يعتمد على الصناعة الاستخراجية مع تدني الأهمية النسبية للقطاعات الاقتصادية الأخرى، مع ملاحظة أن صادراتنا تتحكم فيها الأوضاع السياسية والاقتصادية الدولية, حيث إن عوائد صادراتنا تعتمد على ظروف العرض والطلب الخارجي ووضع السوق النفطية العالمية، وهذا معناه أن أي تقلب في الطلب العالمي على هذه السلعة سيؤثر مباشرة في قيمة صادراتنا، كذلك ستتأثر وارداتنا بالأوضاع السائدة في الدول الصناعية وما ينتج عنه من تقلب لأوضاعنا المالية والنقدية والأسعار المحلية تبعا لذلك. فعند حدوث العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي سيتأثر الدولار سلباً بسبب قانون العرض والطلب, ما يدفع عملتنا المحلية إلى التدهور مقابل العملات الأجنبية وارتفاع تكاليف الواردات. بالطبع هذا يعتمد أيضاً على مرونة الطلب على السلع، فإذا كان الطلب على السلع قليل المرونة فإن ارتفاع السعر لن يؤثر بشكل كبير في الواردات، كما أن هناك تأثيرا في الاستثمارات الأجنبية داخلياً, حيث سيضطر المستثمر إلى دفع مبالغ كبيرة بالعملة الوطنية للحصول على عملات البلدان الراغبة في الاستثمار محلياً.
وإزاء التحسن الذي طرأ على الدولار أخيراً بُعيد الأزمة العالمية وإن بدا للعيان إيجابيا على العملات المرتبطة به، إلا أنه لن يستمر فترة طويلة, حيث من المتوقع ومع تحسن الاقتصاد العالمي أن يعاود الدولار كراته وفراته أمام العملات الأخرى, وبذلك يُعيدنا إلى المربع الأول مرة ومرات. غير أن الأزمة العالمية أفادت الدولار كثيرا, حيث زاد الطلب عليه كملجأ آمن لمدخرات الأفراد والمستثمرين.
من الثابت أن السبل الكفيلة بحل مشكلات سعر الصرف لا بد أن تأخذ في الحسبان خياراتنا المصلحية على المدى الطويل مع مراعاة التقلبات المستقبلية في الاقتصادات العالمية وانعكاساتها على العملات الدولية وموقفنا منها، فبناء الاستراتيجيات يأخذ في حسبانه كل المتغيرات المحلية والدولية بما فيها المكاسب السياسية على المدى الطويل. الخلاصة الرئيسية لما اقترحناه سابقاً بأن يفتح مجلس الشورى أرضية النقاش أمام المهتمين بمشكلات سعر الصرف من الداخل والخارج ليتم تدارس وجهات النظر المُختلفة وإعطاء تقييم علمي صحيح للشأن الحالي والمستقبلي حتى يستفيد منه راسمو السياسات الاقتصادية الوطنية.