سحب الصلاحيات الخاطئ

يكتب الكاتب منا في الصحف المحلية ليزيد من الرصيد المعرفي للقراء في مجال معين، أو ليطور اتجاهاتهم، أو ليوضح رأيه وتصوراته تجاه قضية من قضايا المجتمع، وتبلغ سعادته القمة عندما يتفاعلون بموضوعية مع ما يكتب تعكسها تعليقاتهم ومداخلاتهم الإلكترونية أو رسائلهم البريدية.
وعندما كتبت الأسبوع الماضي حول تفويض صلاحيات المدير، تابعت بشوق تعليقات القراء. ووجدت من بينهم من يؤيد موضوع التفويض، لدرجة أن أحدهم اقترح قيام كل الكتاب بتكثيف جهودهم للكتابة حول الموضوع، والتوعية بأهميته، في حين أن البعض منهم يرى أن التفويض يعنى فقدان الهيبة وبالتالي نقصا في عدد المراجعين. وقد حفزتني هذه التعليقات وغيرها على الاستطراد في الموضوع نفسه لأتحدث في مقال اليوم عن سحب الصلاحيات الخاطئ أو غير الرشيد، من خلال مثال تطبيقي من واقع الإدارة المدرسية المحلية.
اطلعت منذ عام تقريباً على خبر نشر في عدد صحيفة "الجزيرة" رقم 13038 بتاريخ 5/6/1429هـ واحتفظت به لمناقشته في الوقت المناسب،. ويفيد مضمونه أن وزارة التربية والتعليم سحبت صلاحية منح الإجازة الاضطرارية من مديري المدارس وأسندتها إلى مديري مراكز الإشراف التربوي، وذلك في محاولة منها للتصدي لظاهرة تسرب الطلاب من المدارس خلال الفترة التي تسبق اختبارات نهاية العام الدراسي.
ولتحليل هذه الظاهرة وتحليل القرار الصادر بالتصدي لها من منظور إدارة الجودة الكلية، سوف أستخدم أداة من أدواتها تسمى لوحة السبب والنتيجة أو عظمة السمكة، ومن أبرز المبادئ التي تقوم عليها الأداة اعتبار الظاهرة الإدارية أو المشكلة أنها رأس سمكة وعمودها الفقري، ويبحث تكون العوامل والأسباب المحتملة المؤثرة فيها محيطة بها على الأطراف مثل الزعانف. وتطبق هذه الأداة عادة عند رغبة الإدارة دراسة العلاقة بين مشكلة أو ظاهرة ما وجميع العوامل المحتملة المؤثرة فيها، وعليه فإن الظاهرة في الخبر المذكور أعلاه تحددت في ارتفاع نسبة غياب الطلبة عن المدارس في فترة ما قبل الاختبارات النهائية. أما عن العوامل المحتملة المؤثرة في الظاهرة فلا تخرج عن سبعة عوامل أرمز لها بـ ( 7م)، فالميم الأولى هي power man أي أن العنصر البشري من طلاب ومعلمين ومديري المدارس قد يكونون هم السبب الرئيسي في تشكيل الظاهرة، أما الميم الثانية فهي money أي أن الموارد المادية هي السبب، أما الميم الثالثة فهي managemet، أي الإدارة بما تشتمل عليه من أنظمة وتشريعات وسياسيات قد يكون لها دور في تشكيل الظاهرة، أما الميم الرابعة فهي method أي أن الإجراءات المتبعة للتعامل مع الظاهرة هي السبب، أما الميم الخامسة فهي ليست ميما بالمعنى الحرفي information، أي المعلومات والإحصائيات والبيانات المرتبطة بالظاهرة. وهناك الميم السادسة وهي material أي المواد الخام الأولية، وأخيراً الميم السابعة وهي machines أي التجهيزات والآلات.
ومن وجهة نظري المتواضعة أرى أن ظاهرة غياب الطلاب في الأيام التي تسبق الاختبارات تعود إلى كل من الميمين الثالثة والرابعة وهما الإدارة management، والإجراءات methods، أي أن سبب انتشار هذه الظاهرة يعود إلى سوء إدارتها، وضعف الطريقة المستخدمة للتصدي لها، فلو كانت هناك إدارة جيدة لها تتمثل في الأنظمة الصارمة للتعامل مع الطلبة المتغيبين في هذه الفترة، وتصاحبها الحوافز الإيجابية ممثلة في الخطط التربوية المشتملة على دروس التقوية والتمارين والتطبيقات والنشاطات المنهجية واللامنهجية المنوعة، لما غاب طلابنا، ولما انتشرت الظاهرة بشكلها غير المرغوب فيه الذي لا نجد له مثيلاً في نظم التعليم من حولنا، ولما شعر المعلمون بالفراغ في هذه الفترة، ومن ثم بادروا بطلب الإجازات بكثرة، ولما بادرت وزارة التربية والتعليم بسحب صلاحيات مديرو المدارس وإسنادها لمديري مراكز الإشراف التربوي، ولما انشغل مديري المراكز بمقابلة المعلمين لمعرفة أسباب طلب الإجازات، ولما تعطلت أعمال مديري المراكز للقيام بأعمال يفترض أنها من صلاحيات مديري المدارس.
مما سبق يتضح للقارئ الكريم أن منح مدير المدرسة صلاحية الموافقة على الإجازة ليس من العوامل المؤثرة في نسبة غياب الطلبة في فترة ما قبل الاختبارات، وعليه فإن سحب هذه الصلاحية لن يؤثر فيها إطلاقاً، وأن اتخاذ القرار بسحب صلاحيات مديري المدارس كان خاطئاً وغير رشيد، بدليل أن طلابنا لا يزالون يتغيبون عن المدرسة في الفترة التي تسبق الاختبارات والإجازات الرسمية وحتى بعد ها بيوم ويومين وأكثر، فاللهم ألهمنا الرشد لاتخاذ القرارات الرشيدة في جميع أحوالنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي