كيف يتحدد اختصاص المحاكم التجارية؟ (2 من 3)

تناولنا في المقالة السابقة التعريف القانوني للتاجر ومتى يكتسب الشخص صفة التاجر باعتبار ذلك الأساس الأول اللازم لتحديد اختصاص القضاء التجاري (المحاكم التجارية). ونتناول هنا الأساس الثاني الذي ينهض على النص التشريعي الخاص بكيفية تحديد الأعمال التجارية. وبالرجوع إلى نظام المحكمة التجارية الصادر سنة 1350هـ, نجد أن المادة الثانية من هذا النظام حددت الأعمال التجارية عن طريق السرد, حيث نصت على ما يلي:
يعتبر من الأعمال التجارية كل ما هو آت:
أ ـ كل شراء بضاعة أو غلال من مأكولات وغيرها لأجل بيعها بحالها أو بعد صناعة وعمل فيها.
ب ـ كل مقاولة أو تعهد بتوريد أشياء أو عمل يتعلق بالتجارة بالعمولة أو النقل برا أو بحرا أو يتعلق بالمحال والمكاتب التجارية ومحال البيع بالمزايدة يعني الحراج.
ج ـ كل ما يتعلق بسندات الحوالة بأنواعها أو بالصرافة والدلالة (السمسرة).
د - جميع العقود والتعهدات الخاصة بين التجار والمتسببين والسماسرة والصيارف والوكلاء بأنواعهم وجميع المقاولات المتعلقة بإنشاء مبان ونحوها متى كان المقاول متعهدا بتوريد المؤن والأدوات اللازمة لها.
هـ - كل عمل يتعلق بإنشاء سفن تجارية أو شراعية وإصلاحها أو بيعها أو شرائها من الداخل أو الخارج وكل ما يتعلق باستئجارها أو تأجيرها أو بيع أو ابتياع آلاتها وأدواتها ولوازمها وأجرة عمالها ورواتب ملاحيها وخدمها وكل إقراض أو استقراض يجري على السفينة أو شحنها وكل عقود الضمانات المتعلقة بها وجميع المقاولات المتعلقة بسائر أمور التجارة البحرية.
ويلاحظ مما سبق ركاكة صياغة النص وعدم استيعابه جميع الأعمال التجارية المعاصرة, ولا غرابة في ذلك لأن هذا النظام قديم حيث صدر قبل 79 عاما, وهو في الواقع مقتبس من قانون التجارة العثماني المستمد من مجموعة القوانين التجارية الفرنسية الصادرة عام 1807م, ولأنه لم يعد متواكبا مع التطورات الاقتصادية المحلية والدولية, فقد تدخل المقنن السعودي وألغى بعض موضوعاته بإصدار أنظمة خاصة بها مثل نظام الشركات ونظام الأوراق التجارية ونظام الدفاتر التجارية. وإنني مع الرأي القائل إن الوقت قد حان لإصدار قانون تجاري شامل يتواكب مع التطورات المحلية والدولية في عالم التجارة ويضم جميع التشريعات التجارية السارية بعد تحديثها.
وقد يكون مفيدا فيما يخص موضوع هذا المقال أن نلقي بعض الضوء على الاتجاهات التشريعية الحديثة في بعض الدول العربية بشأن تعريف التاجر والأعمال التجارية فنأخذ القانون التجاري المصري الصادر سنة 1999م أنموذجا في هذا الشأن, حيث عرفت المادة العاشرة من هذا القانون التاجر فنصت على أنه يكون تاجرا:
1 ـ كل من يزاول على وجه الاحتراف باسمه ولحسابه عملا تجاريا.
2 ـ كل شركة تتخذ أحد الأشكال المنصوص عليها في القانون المتعلقة بالشركات أيا كان الغرض الذي أنشئت الشركة من أجله.
ثم حددت المواد من 4 إلى 8 الأعمال التجارية على نحو يتواكب وتطورات ومستجدات المعاملات التجارية فحددت المادة الرابعة الأعمال التجارية المطلقة حيث قررت أنه يعد عملا تجاريا ما يلي:
أ ـ شراء المنقولات أيا كان نوعها بقصد بيعها أو تأجيرها بذاتها أو بعد تهيئتها في صورة أخرى, وكذلك بيع أو تأجير هذه المنقولات.
ب ـ استئجار المنقولات بقصد تأجيرها وكذلك تأجير هذه المنقولات.
ج ـ تأسيس الشركات التجارية.
وحددت المادة الخامسة الأعمال التي تعد تجارية إذا تمت مزاولتها على سبيل الاحتراف, حيث نصت على ما يلي:
تعد الأعمال الآتية تجارية إذا كانت مزاولتها على وجه الاحتراف:
أ ـ توريد البضائع والخدمات.
ب ـ الصناعة.
ج ـ النقل البري والنقل في المياه الداخلية.
د ـ الوكالة التجارية والسمسرة أيا كانت طبيعة العمليات التي يمارسها السمسار.
هـ ـ التأمين على اختلاف أنواعه.
و ـ عمليات البنوك والصرافة.
ز ـ استيداع البضائع ووسائط النقل والمحاصيل وغيرها.
ح ـ أعمال الدور والمكاتب التي تعمل في مجالات النشر, الطباعة, التصوير, الكتابة على الآلات الكاتبة وغيرها, الترجمة, الإذاعة, التلفزيون, الصحافة, نقل الأخبار, البريد, الاتصالات, والإعلان.
ط ـ الاستغلال التجاري لبرامج الحاسب الآلي والبث الفضائي عبر الأقمار الصناعية.
ي ـ العمليات الاستخراجية لمواد الثروات الطبيعية كالمناجم والمحاجر ومنابع النفط والغاز وغيرها.
ك ـ مشاريع تربية الدواجن والمواشي وغيرها بقصد بيعها.
ل ـ مقاولات تشييد العقارات أو ترميمها أو تعديلها أو هدمها أو طلائها ومقاولات الأشغال العامة.
م ـ تشييد العقارات أو شراؤها أو استئجارها بقصد بيعها أو تأجيرها كاملة أو مجزأة إلى شقق أو غرف أو وحدات إدارية أو تجارية سواء كانت مفروشة أو غير مفروشة.
ن ـ أعمال مكاتب السياحة ومكاتب التصدير والاستيراد والإفراج الجمركي ومكاتب الاستخدام ومحال البيع بالمزاد العلني.
س ـ أعمال الفنادق والمطاعم والمقاهي والتمثيل والسينما والسيرك وغير ذلك من الملاهي العامة.
ع ـ توزيع المياه أو الغاز أو الكهرباء وغيرها من مصادر الطاقة.
وتناولت المادة السادسة الأنشطة المتعلقة بالنقل البحري والجوي فنصت على ما يلي:
يعد أيضا عملا تجاريا كل عمل يتعلق بالملاحة التجارية بحرية كانت أو جوية, وعلى وجه الخصوص ما يلي:
أ ـ بناء السفن أو الطائرات وإصلاحها وصيانتها.
ب ـ شراء أو بيع أو تأجير أو استجار السفن أو الطائرات.
ج ـ شراء أدوات أو مواد تموين السفن أو الطائرات.
د ـ النقل البحري والنقل الجوي.
هـ ـ عمليات الشحن والتفريغ.
و ـ استخدام الملاحين أو الطيارين أو غيرهم من العاملين في السفن أو الطائرات.
ونظرا لأن الأعمال التجارية غير قابلة للحصر لأنها قابلة للتوالد والتكاثر والتشعب فقد نصت المادة السابعة على ما يلي:
"يكون عملا تجاريا كل عمل يمكن قياسه على الأعمال المذكورة في المواد السابقة لتشابه في الصفات والغايات".
ثم أدخلت المادة الثامنة من القانون المذكور ضمن الأعمال التجارية أعمالا تعد في الأصل أعمالا مدنية ولكن التاجر يقوم بها لحاجات تجارته ويسميها الفقه القانوني التجاريي (الأعمال التجارية بالتبعية), ومثالها قيام التاجر باستئجار عقار ليكون معرضا لتجارة السيارات, فنصت المادة الثامنة على ما يلي:
1 ـ الأعمال التي يقوم بها التاجر لشؤون تتعلق بتجارته تعد أعمالا تجارية.
2 ـ كل عمل يقوم به التاجر يعد متعلقا بتجارته ما لم يثبت غير ذلك.
ومما تقدم يتضح أن قانون التجارة المصري الجديد وسع من نطاق الأعمال التجارية من حيث العدد والنوع على النحو الذي يتواكب مع ما حدث من تطورات في هذا الشأن.
ونخلص من جميع ما سبق إلى القول إن مفهوم العمل التجاري كما هو محدد في النظام التجاري السعودي الحالي المسمى نظام المحكمة التجارية الصادر قبل 79 عاما لم يعد متواكبا مع تطور المجتمع والمتغيرات التي حدثت في عالم التجارة محليا ودوليا, وأنه أصبح من الضروري أن يصدر تشريع جديد يحدد الأعمال التي تعد تجارية بطريقة أكثر تنوعا وشمولا ودقة, وعلى نحو يتواكب مع الاتجاهات الحديثة في القوانين التجارية المقارنة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي