تأجير العمال في ضوء أحكام نظام العمل

في عددها الصادر بتاريخ 3/4/1429هـ الموافق 9/4/2008، نشرت جريدة "الشرق الأوسط" خبرا مفاده أن الغرفة التجارية الصناعية في محافظة جدة تبنت فكرة إنشاء شركة تتخصص في استقدام وتأجير الأيدي العاملة في مجال المقاولات، وأن الهدف من تأسيس هذه الشركة هو حل الأزمة التي يواجهها المقاولون في الحصول على الأيدي العاملة عند تنفيذ المشاريع, كما أن من شأن تأسيسها المساهمة في حل مشكلات تسرب العمالة والتحايل على أنظمة العمل والإقامة. وأنه قد تم التعاقد مع مكتب استشاري لدراسة جدوى إنشاء هذه الشركة.
وتعيد هذه الفكرة إلى الأذهان فكرة مشابهة إذ سبق أن دعا بعض الكتاب إلى إنشاء شركة مساهمة تقوم باستقدام العمالة المنزلية والسائقين الأجانب وتأجيرهم ووضع الآلية اللازمة لتحقيق المصالح المشتركة لكل من الشركة والعامل والمستفيد من خدمات العامل.
والواقع أن الشركة المقترح إنشاؤها لن تكون لها جدوى اقتصادية إلا إذا قام نشاطها على أساس (مقاولة الأعمال) بمعنى المضاربة على جهود العمال الأجانب حيث تقوم الشركة باستقدام العمال الأجانب لحسابها وتحت كفالتها بموجب عقود عمل تبرم بينها وبين هؤلاء العمال, ثم تقوم بعد ذلك بتأجير هؤلاء العمال إلى المقاولين، وغيرهم من المواطنين، بموجب عقود إجارة تبرم لهذا الغرض مقابل مبلغ متفق عليه يدفعه مستأجر العمالة للشركة, وبحيث تستفيد الشركة المؤجرة للعمالة من الفرق بين الأجر الذي تدفعه للعامل ومبلغ الأجرة الذي يدفعه لها مستأجر العمالة. والنتيجة الطبيعية التي ستترتب على هذا النشاط أن الشركة الموردة للعمال ستحرص على استقدام العمال بأبخس ما يمكن من أجور وتتقاضى مقابل تأجيرهم على أعلى ما يمكن من أجور من أصحاب العمل حتى تحقق الربح المنشود.
ونظام العمل السعودي وإن أجاز مزاولة نشاط توريد واستقدام العمال الأجانب وإنشاء مكاتب لهذا الغرض بموجب ترخيص تصدره وزارة العمل طبقا لشروط محددة إلا أنه لا يجيز مزاولة نشاط مقاولة الأعمال القائم على المضاربة على جهد العامل، ولذلك نصت المادة 31 من نظام العمل السعودي على أنه (يعد العمال السعوديون الذين أسهمت المكاتب في توظيفهم، والعمال الذين استقدمتهم نيابة عن أصحاب العمل، عمالا لدى صاحب العمل، ويرتبطون به بعلاقة عقدية مباشرة).
ومؤدى هذا النص أن مهمة مورد العمال تنحصر في استقدام وتوريد العمال بالنيابة عن صاحب العمل وتنتهي مهمته فور تقديمهم لصاحب العمل حيث تنشأ علاقة عقدية مباشرة بين هؤلاء العمال وصاحب العمل ليس لمورد العمال أي شأن أو علاقة بها. يضاف إلى ما تقدم أن فكرة تأجير الأيدي العاملة تخالف نصوصا آمرة في نظام العمل وهي:
1- المادة (50) من نظام العمل التي عرفت عقد العمل بأنه هو (عقد مبرم بين صاحب عمل وعامل، يتعهد الأخير بموجبه أن يعمل تحت إدارة صاحب العمل أو إشرافه مقابل أجر). ومؤدى هذا النص أن أهم مقومات عقد العمل هو قيام علاقة تبعية بين العامل وصاحب العمل، فالعامل يعمل تحت إدارة صاحب العمل أو إشرافه ويخضع لأوامره وتوجيهاته، ولا يتفق هذا المفهوم لعقد العمل مع فكرة تأجير العمالة التي تجعل العامل محل الإجارة لا يعمل لمصلحة الشركة الموظف لديها ولا تحت إدارتها وإشرافها وإنما يعمل خلال مدة الإجارة لمصلحة صاحب عمل آخر هو المستأجر وتحت إشرافه وإدارته.
2- الفقرة الأولى من المادة (39) من نظام العمل قررت صراحة أنه لا يجوز لصاحب العمل أن يترك عامله يعمل لدى غيره، ولا يجوز للعامل أن يعمل لدى صاحب عمل آخر، كما لا يجوز لصاحب العمل أن يوظف عامل غيره إلا بعد اتباع القواعد والإجراءات النظامية، المقررة أي بعد نقل الكفالة، وترتيبا على ما تقدم فإن تأجير صاحب العمل عماله لغيره يعد مخالفة نظامية تجعله تحت طائلة العقوبات النظامية المنصوص عليها في المادة (233) من نظام العمل التي قررت أن (يعاقب كل من يخالف حكم المادة التاسعة والثلاثين من هذا النظام بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف ريال، ولا تزيد على 20 ألف ريال، وتتعدد الغرامة بتعدد الأشخاص الذين وقعت المخالفة بشأنهم، ويتم ترحيل العامل على حساب من وجد يعمل لديه).
ومن ناحية أخرى، فإنه تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن مجلس هيئة كبار العلماء سبق أن قرر في دورته الحادية والعشرين أن كل تشغيل للمستقدمين يخالف ما أقرته الدولة للمصلحة العامة ممنوع وأنه كل ما يأخذه المستقدمون من العامل مقابل تمكينهم من العمل عند غيرهم يعد محرما لأن الكتاب والسنة قد دللا على وجوب طاعة ولي الأمر في المعروف ولما يترتب على استقدام العمال على غير الوجه الذين استقدموا من أجله من فساد كبير وشر عظيم على المسلمين ولذلك يجب منع هذا العمل.
نخلص من جميع ما سبق إلى أن القول إن فكرة إنشاء شركة لمزاولة نشاط استقدام العمال بغرض تأجيرهم للغير غير مقبولة في ظل أحكام نظام العمل وليس من سبيل إلى تحقيقها إلا بتعديل أحكام هذا النظام المتعلقة بهذا الشأن.

محام ومستشار قانوني
جدة – فاكس 6557888

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي