لماذا الكيل بمكيالين؟

[email protected]

لقد جلست أفكر وأسأل نفسي ما الفرق بين إغراق السوق بالسلع المستوردة المنخفضة القيمة وبين إغراق السوق بالعمالة المنخفضة الأجر؟ ألا يوجد تشابه بينهما؟.. فلكل منهما ضرر يلحق بأحد مكونات الاقتصاد، فالأولى تضر بالمصانع الوطنية المنتجة لنفس السلع والثانية تضر بالعمالة الوطنية التي تعمل بنفس الوظائف، الأولى تخفض أسعار السلع لمستويات تقل عن تكلفتها والثانية تخفض الأجور لمعدل لا يتناسب مع مستوى المعيشة، الأولى تتسبب في بقاء السلعة الوطنية على الرفوف والثانية تتسبب في بقاء شريحة من المواطنين في البيوت. هذا ما تؤكده الإحصائيات التي قدرت نسبة البطالة بما يعادل 11 في المائة من القوة العاملة حسب بحث القوى العاملة الذي أنجزته مصلحة الإحصاءات العامة لعام 1427 هجرية وكذلك ما يؤكده التقرير الإحصائي للتأمينات الاجتماعية الذي يفيد أن 52.7 في المائة من المشتركين تقل أجورهم الشهرية عن 1000 ريال و30.3 في المائة من المشتركين تقل أجورهم عن 3000 ريال.
إذا لماذا الكيل بمكيالين في مكافحة الإغراق؟ ففي الوقت الذي يطالب فيه رجال الأعمال بسن النظم التي تمنع إغراق الأسواق بالسلع الرخيصة الثمن يقاوم البعض منهم الأنظمة التي تحد من استقدام العمالة المنخفضة الأجر بغرض السعودة، بل وينسبون لها كل مشكلات التأخير التي واجهت تنفيذ المشاريع ويطالبون فوق هذا بتخفيف القيود على الاستقدام لجلب مئات الآلاف من العمالة التي تتسبب في إغراق السوق. ألا يعتبر ذلك كيل بمكيالين من قبل البعض من رجال الأعمال؟ لماذا تصعب رؤية الوجه الآخر لاستقدام العمالة الرخيصة وما تتسبب فيه من مصاعب للمواطن فتصبح عامل ضغط على الأجور في اتجاه تخفيضها، فلا المواطن حصل من القطاع الخاص على التدريب لشغل وظائف تغنيه عن الحاجة إلى الغير ولا هو حصل على الراتب العادل الذي يتناسب مع مستوى المعيشة. هذا لا يعني أننا نطالب أي رجل أعمال بالتوقف عن الاستقدام والاقتصار في التوظيف على المواطنين لكن ما نطالب به هو التوازن في استخدام العمالة المنخفضة الأجر بحيث لا تقف حجر عثرة في طريق حصول المواطن على العمل أو الأجر العادل. حقيقة أنا لا أجد فرقا بين الضرر الناتج عن إغراق السوق بسلع زهيدة الثمن تنال من استثمارات رجال الأعمال وبين الضرر الناتج عن استقدام كثيف لعمالة منخفضة الأجر تحرم المواطن من الحصول على الوظيفة أو الأجر العادل.
طبعا هذا لا يجعلنا ننسى أو نغفل عن الإشادة بالأعمال الرائعة التي نفذها عدد من رجال الأعمال وبعض الشركات فقدمت لنا حلولا عملية لكيفية التعامل مع هذه المشكلة فاستحق البعض منهم التكريم من أعلى رجل في هرم السلطة، خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ورعاه ووفقه لكل ما فيه خير الوطن المواطنين، ونتمنى أن يكون في ذلك حافز للبقية ليقتدوا بهم فما نطرحه ونطالب به ليس كلاما نظريا وعاطفيا لا مجال لتطبيقه في عالم الأعمال فهذا النوع من رجال الأعمال أثبتوا أنهم مشاركون بفعالية مع الدولة في تطوير وتنمية أبناء هذا الوطن فأعطونا نماذج عملية ومبتكرة على ارض الواقع فقدموا القروض ووفروا مراكز التدريب والدعم للمواطنين لكي يحصلوا على العمل والأجر العادل أو المشروع والدخل المجزي. فلماذا لا تتكرر مثل هذه الأفكار والمشاريع الناجحة من رجال أعمال آخرين خدمة للوطن والمواطنين.
لكن ما يؤسف له أن هناك بعضا من رجال الأعمال ظلت مساهماتهم ضعيفة في هذا الجانب وكأنهم يعيشون في مكان آخر لا علاقة لهم بمشكلاته، فماذا لو أصر البعض منهم على موقفه واستمر في الاعتماد في أعماله على العمالة المستقدمة المنخفضة الأجر؟ كيف سيستقيم وضع سوق العمل لدينا ومعدل الأجور لمعظم الوظائف بهذا المستوى المتدني مقارنة بمستوى المعيشة؟ ألا يتطلب الأمر مزيدا من التقنين للحد من هذه الظاهرة كأن تضع الدولة حدا أدنى للأجر يطبق على جميع العمالة باستثناء العمالة المنزلية، يراعى فيه مستوى المعيشة في المملكة كما هو معمول به في كثير من الدول. عندها سوف يعيد رجال الأعمال حساباتهم في تحديد نوع العمالة التي يستخدمها بما يتناسب مع عامل التكاليف الناتج عن الوضع الجديد للأجور فتخف الحاجة إلى استقدام العمالة ذات مستوى الأجر المنخفض في بلدانها لأنها لن تصبح كذلك بعد وصولها إلى المملكة حيث الحد الأدنى للأجور، فيبدأ رجل الأعمال تدريجيا في الاعتماد على العمالة الوطنية حتى لو تطلب الأمر إعادة تدريبهم بدعم من صندوق تنمية الموارد البشرية . قد يعترض أحد ما ويقول إن ذلك سوف يتسبب في زيادة تكاليف معظم الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص للمواطنين وربما يكون هذا الاستنتاج سليما ولكن ما العمل ؟!! لن يتبرع أحد من تلقاء نفسه لاستقطاع جزء من أرباحه ليقدمها كزيادة لصالح تحسين مستوى الأجور لتتناسب مع مستوى المعيشة، ومع ذلك فهناك تصور آخر يخالف الاستنتاج السابق وهو أن يتم استيعاب كل أو بعض الزيادة الناتجة عن تطبيق الحد الأدنى للأجور من خلال عنصر المنافسة بين الشركات فتعمل على تخفيض تكاليفها من بنود أخرى لا علاقة لها ببند الأجور فتبقى تكاليف الخدمة من دون زيادة عندها يتحقق لنا أمران الأول التوازن بين معدل الأجور ومستوى المعيشة والآخر تحسن مستوى الإدارة وفاعلية الأداء بشكل عام ولنا فيما فعلت المنافسة بعد تخصيص شركة الاتصالات خير مثال ألم تنخفض أسعار خدمات الاتصالات بالرغم من دخول شركة جديدة للسوق استقطعت منه حصة لنفسها ومع ذلك لم تنخفض أرباح شركة الاتصالات بل تضاعفت عما كانت عليه في أول سنة من تخصيصها وما زالت أرباحها مستمرة في النمو في كل سنة؟ ألم يكن ذلك بفعل تحسن الأداء الناتج عن قوة المنافسة؟ هذا ما أتوقع شخصيا أن يحدث عند إقرار حد أدنى للأجور، قد أكون مخطئا ولكن هو اجتهاد قابل للأخذ و الرد .. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي