ليس بمستغرب انخفاض أسهم بعض الشركات عن سعر الاكتتاب بسبب علاوات الإصدار
بما قرأته في بعض الصحف المحلية بتاريخ 8/9/1429هـ الموافق 8/9/2008 (عن الهبوط الأخير في شركات دون سعر الاكتتاب والنداء بفتح ملف القضية من جديد ...) جعلني أقول إن ذلك لم يكن بمستغرب ـ على الإطلاق ـ بل هو متوقع لكل شخص واع ومدرك لأسباب ذلك، ولعلني أذكر بما سبق أن كتبته في مقال سابق لي نشر في هذه الصحيفة الأحد 19/2/1427هـ الموافق 19/3/2006 العدد 4542 بشأن تحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة وركزت فيه على أهمية التقويم لأصول الشركات الثابتة والمنقولة المراد تحويلها إلى شركات مساهمة, لأن هذا التقويم يعد المساهمة العينية لملاك الشركة، فضلاً عن عدم وضع علاوة إصدار إلا إذا تم التأكد من أحقيتها ومقدارها دون زيادة أو مبالغة. وأنا عندما قلت إن انخفاض أسعار أسهم الشركات (الثماني) عن أسعار الاكتتاب لم يكن بمستغرب لأنها كلها طرحت بعلاوات إصدار قد يكون مبالغا فيها نسبياً, ما أوقع المساهمين المكتتبين فيما حذرت منه في مقالي السابق, الذي أشرت إليه آنفا عندما أقبل عدد منهم للاكتتاب في الشركة دون التأكد من مدى صحة التقويم للشركة وأحقية إعطائها علاوة الإصدار من الجهة المختصة سواء كانت وزارة الصناعة والتجارة أو هيئة السوق المالية، واعتمد المكتتبون على ما قررته الجهة المسؤولة ظناً منهم أن التقويم صحيح، وأن علاوة الإصدار مستحقة للشركة، ولكن بعض المواطنين الفطنين الواعين تجنبوا الاكتتاب في أي شركة يوضع لها علاوة إصدار، أو أن تكون علاوة الإصدار غير معقولة ويظهر فيها المبالغة في التحديد.
ولا شك أن عدداً من المكتتبين انساق وراء الوعود والدعايات الكثيرة التي تسبق طرح الأسهم للاكتتاب دون معرفة عن وضع الشركة من حيث التقويم ومبلغ علاوة الإصدار، وإزاء ما ظهر من خسائر تمثلت في هبوط أسعار الأسهم بأقل من أسعار الاكتتاب, فإن الخوف والخشية من الهبوط الأكثر الذي قد يكون نتيجة خلل وقصور وتقصير في عملية تقويم أصول الشركة على أساس غير دقيق، وإنما بالاعتماد على قوائم مالية، وحسابات دفترية غير مدققة من ذوي خبرة واختصاص يشهد لهم بالأمانة والحياد والاستقلالية, فلو حصل مثل هذا فإنه قد يؤدي إلى إفلاس الشركة وخسارة المساهمين، وهي مشكلة اقتصادية كبيرة يتضرر منها المساهمون وقد لا تحصل إلا بعد مدة طويلة يفقد فيها تحديد المسؤولين عن ذلك، ونأمل ألا يحصل ذلك لأي شركة من الشركات, لأن الضرر الفادح يقع على أولئك الذين اقترضوا من البنوك ومؤسسات التمويل من أجل الاكتتاب في الشركات ولم يكن من فائض مدخراتهم.
وكثير من الناس يدرك أن أهمية تقويم الشركات المراد طرحها للاكتتاب، ومدى أحقيتها لعلاوة الإصدار، ويعتقدون أن الجهات المسؤولة قد قامت بدورها في التأكد من صحة التقويم سواء في وزارة التجارة والصناعة بحكم تطبيقها نظام الشركات بدقة وعناية، أو هيئة السوق المالية بحكم تطبيقها لنظام السوق المالية واللوائح التنفيذية بإعمال النصوص، وقيامها بواجباتها ومسؤولياتها في حماية المواطنين والمستثمرين (من الممارسات غير العادلة أو غير السليمة أو التي تنطوي على احتيال أو غش أو تدليس أو تلاعب) (المادة (5/4) من نظام السوق المالية)، ولذا فإن تحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة مقفلة، وثم بعد فترة يتم إصدار قرار بالموافقة على طرح جزء من رأس المال للاكتتاب العام يوجب أن يتم على أسس وضوابط وقواعد محكمة يراعى فيها مصلحة المكتتبين باعتبار أنهم مشاركون بأموالهم في رفع رأسمال الشركة المطروحة للاكتتاب, ذلك لأن مصلحة هؤلاء مرتبطة بخدمة الاقتصاد الوطني ودعمه والمحافظة على استقراره ونموه، وتجنب التساهل في ذلك وألا تكون الموافقة بإصدار القرار مبنية على اعتبارات شخصية مثل الرغبة في إنقاذ الشركة العائلية من خسائر محدقة بها, كما ذكرت ذلك في مقال سابق نشر في هذه الصحيفة الثلاثاء 19/2/1421 هـ الموافق 23/5/2000 العدد 11656, وكذلك في مقالي الآخر الذي أشرت إليه سابقاً عندما قلت يجب التأكد بدقة من صحة تقويم أصول الشركة الثابتة والمنقولة وحقوق المساهمين والقيمة الدفترية الحقيقية ومدى الجدوى الاقتصادية لاستمرار الشركة كشركة مساهمة قوية وناجحة ألا يكون التحويل لمعالجة خسائرها وتفادي إفلاسها على حساب المساهمين المكتتبين، فلو حصل مثل هذا فإنه يعد أمراً خطيراً لأن فيه تحايلا وغشا للمكتتبين، وهذا ما يجب أن يعيه ويتنبه إليه كل مسؤول في وزارة التجارة والصناعة و هيئة السوق المالية إذ كثرت الكتابات عما يحصل من انخفاض أسعار أسهم الشركات عن سعر الاكتتاب إلى درجة جعل بعض الكتاب يصف ما يحصل بأنه يُعد ( ... إغراق السوق بطرح كثير من الشركات العائلية بعلاوة إصدار مبالغ فيها يتم من خلالها سحب السيولة من أيدي عامة الناس, وذلك من خلال طرح شركات البعض منها لا يحمل مقومات اقتصادية ولا استثمارية يمكن الاعتماد عليها كاستثمار ناهيك عن التفكير في جدوى هذه القرارات وسلامة توقيعها ...إلخ ) (مقال جبرين الجبرين ــ صحيفة "الوطن" الخميس 11/9/1429 هـ الموافق 11/9/2008) ، وغير ذلك مما يكتب في الصحف والمجلات فيما هو مقارب لذلك، ونتوخى من كتابة هذا المقال أن يكون فيه الفائدة لكل راغب في الاستفادة ، لكيلا تتكرر الأخطاء أو التقصير أو القصور أو التساهل في إصدار قرارات توقع المواطنين في خسائر بمثل حصل في المساهمات العقارية المتعثرة.
ونختم القول بأن يقوم كل مسؤول مهما كان مركزه بواجباته ومسؤولياته بأمانة ونزاهة و إخلاص، وأن يدقق الأعمال يقوم بها قبل الموافقة عليها حتى يتجنب الأخطاء والقصور والتقصير، ويعطي لكل موضوع حقه من العناية والاهتمام، وألا يخشى إلا الله ـ عز وجل ـ وأن يقول كلمة الحق لا يخشى لومة لائم و يبرئ ذمته، فكل مسؤول عن عمله إن خيراً فخير ويشجع عليه، وان شراً فشر ويجازى عليه الجزاء الصارم لأن كلا يجازى بقدر عمله، والله الموفق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.