(شكلين ما بحكي)

كانت شخصية (عكيد) الحارة في المسلسل الدرامي الرمضاني باب الحارة والمتجسدة في (أبو شهاب) تلفت الانتباه لما تحمله من قسمات الوجه الجادة والحادة والمعطرة بالانتماء الوطني, خاصة حالة الحزم التي يظهرها مع (أبو جودت) رئيس المخفر الممثل العسكري للفرنسيين عندما تفتح الكاميرا على (أبو شهاب) وهو يقول بلهجته الشامية المخضبة برائحة النضال الطويل مع الفرنسيين وقبل ذلك التاريخ مع بيزنطة وروما يقول: "لهون وبس .. شكلين ما بحكي". كانت هذه هي اللزمة وهي الرسالة التي أراد مخرج "باب الحارة" إيصالها إلى المستعمر الفرنسي الذي جاء من وراء البحار لتقسيم الأرض العربية والإنسان العربي عبر خطوط الطول ودوائر عرض (سايكس بيكو) بألوان خرائطه وأطالسه وخطوطه المخضرة والمصفرة وقسموا الإنسان العربي إلى تبعية فرنسية منطقة (أ) وتبعية بريطانية منطقة (ب).. أبو شهاب الرجل الشامي الوطني كان يرفع اللاءات في وجه المستعمر والانهيارات, ونحن في وطننا العربي في حاجة إلى أشخاص وقيادات سياسية واقتصادية وإدارية واجتماعية وفي جميع المهن من الطب والتعليم والهندسة في حاجة إلى شخصيات اعتبارية تقول "إلى هون وبس .. وشكلين ما بحكي), لأننا نحن العرب تهاجمنا وتقضمنا التحديات من كل اتجاه. كما أنه يجب أن ننتزع القرار الشخصي ونرفع أصابع اللاءات وأن يكون لنا خيار شخصي في القضايا الكبيرة وأدق تفاصيل حياتنا.
أنا هنا لا أدعو إلى الحدية والتأزيم ولكن ومن خلال الصراع العربي ـ الإسرائيلي على: الأرض والكرامة والاقتصاد والمياه.. دائما نخسر المواقف والأرض وتضاف إلى ذلك الخسارة الإسلامية التي تعرضنا لها بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر), حيث حملنا جميع تبعاتها لأننا نتحاور مع الآخر بصوتين و(شكلين من الكلام والمفاوضات). إذن ليست فقط قسمات وسمات وملامح وجه (أبو شهاب) الدمشقي والشامي العريق إنما شخصيته الصارمة والجادة وغير المهادنة مع التجاوزات. شخصية الإنسان الفينيقي العتيق والغساني (الغساسنة) والأموي وما تلا ذلك من دويلات: الحمدانية, السلاجقة, دولة بني عثمان, هذا التاريخ الشامي الموغل في القدم هو الذي جعل "عكيد" الحارة أبو شهاب يقول (شكلين ما بحكي) وتجعلنا نحن الذين تجذرنا بالتاريخ العربي منذ أن كانت تدمر وبعلبك والبتراء ودمشق عواصم للعالم العربي تجعلنا نستلهم ونسترجع التاريخ ونتعطر بالماضي حتى ولو كانت دراما أسهم في حبكها المؤلف والمخرج وكاتب السيناريو والموسيقى التصويرية وأكملها المشاهد العربي الذي ينتهض مع كل إيقاع موسيقي وطني يدق أبواب الحارة. رسالة مبطنة ومعلنة سرا وعلانية للقيادات السياسية والإدارية والفنية والمهنية والاجتماعية في الوطن بأن تنتزع قراراتها بأنفسها وبأيديها لا أيدي الآخرين مهما كان حجم الهيمنة والاحتكار المضاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي